للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن هذا من وجوه أربعة:

أحدها: أن الذي جاء (١) بهذا هم الذين جاؤوا بالصلوات الخمس، وليس لنا طريق إلا ما نقلوه لنا ذلك.

الثاني: ما ذكره القاضي لسان الأمة (٢) وهو: أن أن المدفونين في القبور يسألون، والذين بقوا على وجه الأرض فإن الله (٣) يحجب


= أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبعًا لها، فكما تبعت الأرواحُ الأبدانَ في أحكام الدنيا فتألمت بألمها والتذت براحتها وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب، تبعت الأبدانُ الأرواحَ في نعيمها وعذابها والأرواح حينئذٍ هي التي باشرت العذاب والنعيم، فتجري أحكام البرزخ على الأرواح فتسري إلى أبدانها نعيمًا أو عذابًا، كما تسري أحكام الدنيا على الأبدان فتسري إلى أرواحها نعيمًا أو عذابًا، فأحط بهذا الموضوع علمًا واعرفه كما ينبغي يزيل عنك كل إشكال يورد عليك من داخل وخارج. ثم قال : إن النار التي في القبر والخضرة ليست من نار الدنيا ولا زرع الدنيا، وإنما هي من نار الآخرة وخضرتها، وهي أشد من نار الدنيا، فلا يحس بها أهل الدنيا فإن الله يحمي عليه ذلك التراب والحجارة التي عليه وتحته حتى تكون أعظم حرًا من جمر الدنيا، ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بذلك، وقدرة الرب تعالى أوسع وأعجب من ذلك، وقد أرانا الله من آيات قدرته في هذه الدار ما هو أعجب من ذلك بكثير، ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علمًا إلا من وفقه الله وعصمه، كما أنه غير ممتنع أن ترد الروح إلى المصلوب والغريق والمحترق ونحن لا نشعر بها لأن ذلك الرد نوع آخر غير المعهود، فهذا المغمى عليه والمسكوت والمبهوت أحياء وأرواحهم معهم ولا تشعر بحياتهم، ومن تفرقت أجزاؤه والمصلوب وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله، ولا يمتنع على من هو على كل شيء قدير أن يجعل للروح اتصالًا بتلك الأجزاء على تباعد بينها، ويكون في تلك الأجزاء شعور بنوع من الألم واللذة، إذا كان الله تعالى قد جعل في الجمادات شعورًا وإدراكًا تسبح ربها به، وتسقط الحجارة من خشيته ويسجد له الحجر والشجر وغير ذلك، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤] وقال: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨)﴾ [ص: ١٨]، فكيف يمتنع على قدرته الباهرة أن يعيد إليها حياةً ما بعد موتها يقضي بها ما أمره فيها ويستنطقها بها ويعذبها أو ينعمها بأعمالها، وهل إنكار ذلك إلا مجرد تكذيب وعناد وجحود. اهـ. بتصرف من كتاب الروح ص (٦٢) وما بعدها.
(١) في (ظ): الذين جاؤوا.
(٢) لم أقف على ترجمة تُعينه.
(٣) في (ع، ظ): الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>