للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تَعَالَى أَنَّهَا عَبِيدٌ مِثْلَ عَابِدِيهَا أَيْ مَخْلُوقَاتٌ مثلهم، بل الأناس أَكْمَلُ مِنْهَا، لِأَنَّهَا تَسْمَعُ وَتُبْصِرُ وَتَبْطِشُ، وَتِلْكَ لا تفعل شيئاً من ذلك.

وقوله تعالى: {قل ادعوا شُرَكَآءَكُمْ} الآية، أَيِ اسْتَنْصِرُوا بِهَا عليَّ فَلَا تُؤَخِّرُونِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَاجْهَدُوا جُهْدَكُمْ، {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} أَيِ اللَّهُ حسبي وكافيني وَهُوَ نَصِيرِي وَعَلَيْهِ مُتَّكَلِي وَإِلَيْهِ أَلْجَأُ، وَهُوَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ صَالِحٍ بَعْدِي، وَهَذَا كَمَا قَالَ هُودٌ عَلَيْهِ السلام: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي على صراط مستقيم}، وكقول الخليل: {أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلَاّ رَبَّ العالمين} الْآيَاتِ، وَكَقَوْلِهِ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: {إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَاّ الذي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}، وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ؛ مُؤَكِّدٌ لِمَا تَقَدَّمَ إِلَّا أَنَّهُ بِصِيغَةِ الخطاب وذاك بِصِيغَةِ الْغَيْبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}، وَقَوْلُهُ: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُواْ دعاءكم} الآية، وَقَوْلُهُ: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}، إِنَّمَا قَالَ: {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} أَيْ يُقَابِلُونَكَ بِعُيُونٍ مُصَوَّرَةٍ كَأَنَّهَا نَاظِرَةٌ وَهِيَ جَمَادٌ، وَلِهَذَا عَامَلَهُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ يَعْقِلُ لِأَنَّهَا عَلَى صُوَرٍ مُصَوَّرَةٍ كالإنسان وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، فَعَبَّرَ عَنْهَا بِضَمِيرِ مَنْ يعقل، وقال السدي: المراد بهذا المشركون، والأول أولى، وهو اختيار ابن جرير.

<<  <  ج: ص:  >  >>