للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

- ٥ - كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ

- ٦ - يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ

- ٧ - وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ

- ٨ - لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الباطل وَلَوْ كَرِهَ المجرمون

قال الطَّبَرِيُّ: اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي السَّبَبِ الْجَالِبِ لِهَذِهِ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ: {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} فَقَالَ بعضهم: شبه به في الصلاح للمؤمنين، والمعنى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: كَمَا أَنَّكُمْ لَمَّا اخْتَلَفْتُمْ فِي الْمَغَانِمِ وَتَشَاحَحْتُمْ فِيهَا، فَانْتَزَعَهَا اللَّهُ منكم، فكان هذا هو المصلحة التامة لكم، كذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء وهم النفير الذين خرجوا لإحراز عيرهم، فكان عاقبة كراهتكم بأن قدره لكم عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ رَشَدًا وَهُدًى، وَنَصْرًا وَفَتْحًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}، وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} عَلَى كُرْهٍ مِنْ فَرِيقٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَذَلِكَ هُمْ كَارِهُونَ لِلْقِتَالِ، فَهُمْ يجادلونك فيه بعدما تبين لهم، قال مجاهد: {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} كذلك يجادلونك في الحق. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ مُجَادَلَةً كَمَا جَادَلُوكَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالُوا: أَخْرَجْتَنَا لِلْعِيرِ وَلَمْ تُعْلِمْنَا قِتَالًا فَنَسْتَعِدُّ لَهُ. قُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ طَالِبًا لِعِيرِ أَبِي سُفْيَانَ الَّتِي بَلَغَهُ خَبَرُهَا أَنَّهَا صَادِرَةٌ مِنَ الشَّامِ فِيهَا أَمْوَالٌ جَزِيلَةٌ لِقُرَيْشٍ، فَاسْتَنْهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ، فخرج في ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً وجمع الله بين الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَصْرِهِمْ على عدوهم والتفرقة بين الحق والباطل، وَالْغَرَضُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ خُرُوجُ النَّفِيرِ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، يَعِدُهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْعِيرَ وَإِمَّا النَّفِيرَ، وَرَغِبَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْعِيرِ، لِأَنَّهُ كَسْبٌ بِلَا قِتَالٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}.

روى ابن أبي حاتم قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «كَيْفَ تَرَوْنَ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «كَيْفَ تَرَوْنَ؟» فَقَالَ عُمَرُ: مِثْلَ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «كَيْفَ تَرَوْنَ؟» فقال سعد ين مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِيَّانَا تُرِيدُ؟ فَوَالَّذِي أكرمك وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مَا سَلَكْتُهَا قَطُّ وَلَا لي بها علم، ولئن سرت حَتَّى تَأْتِيَ بَرْكِ الْغِمَادِ مِنْ ذِي يَمَنٍ لَنَسِيرَنَّ مَعَكَ، وَلَا نَكُونُ كَالَّذِينِ قَالُوا لِمُوسَى: {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إنا ههنا قاعدون}، ولكن اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إنا معكما مقاتلون، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَكُونَ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ، وَأَحْدَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ غَيْرَهُ، فَانْظُرِ الَّذِي أَحْدَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَامْضِ لَهُ، فَصِلْ حِبَالَ مَنْ شِئْتَ، وَاقْطَعْ حِبَالَ مَنْ شِئْتَ، وَعَادِ مَنْ شِئْتَ، وَسَالِمْ مَنْ شِئْتَ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى قَوْلِ سَعْدٍ: {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لكارهون} (أخرجه ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بن أبي وقاص الليثي عن أبيه عن جده) الآيات، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا شَاوَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>