للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدون عن اتباع الْحَقِّ، فَسَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَذْهَبُ أَمْوَالُهُمْ، ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً أَيْ نَدَامَةً، حَيْثُ لَمْ تُجْدِ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ وَظُهُورَ كَلِمَتِهِمْ عَلَى كَلِمَةِ الْحَقِّ، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون، فَهَذَا الْخِزْيُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ، فَمَنْ عَاشَ مِنْهُمْ رَأَى بعينه وسمه بأذنه ما يسوؤه، وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَوْ مَاتَ فَإِلَى الْخِزْيِ الْأَبَدِي وَالْعَذَابِ السَّرْمَدِي، وَلِهَذَا قَالَ: {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الخبيث مِنَ الطيب} قال ابن عباس: يميز أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَمِيزُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ؛ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يكون هذا التمييز في الآخرة، كقوله: {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ آمنوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فزيلنا بينهم} الآية، وقوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}، وقال في الآية الأخرى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}، وقال تعالى: {وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون}، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّمْيِيزُ فِي الدُّنْيَا بما يظهر من أعمالهم لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: إِنَّمَا أَقْدَرْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} أَيْ مَنْ يُطِيعُهُ بِقِتَالِ أَعْدَائِهِ الْكَافِرِينَ، أَوْ يَعْصِيهِ بِالنُّكُولِ عَنْ ذَلِكَ، كقوله: {وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ المؤمنين، وَلِيَعْلَمَ الذين نافقوا} الآية، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطيب} الآية، فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا إِنَّمَا ابْتَلَيْنَاكُمْ بِالْكُفَّارِ يُقَاتِلُونَكُمْ وَأَقْدَرْنَاهُمْ عَلَى إِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ وَبَذْلِهَا فِي ذلك {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ على بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ} أي يجعله كُلَّهُ، وَهُوَ جَمْعُ الشَّيْءِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي السَّحَابِ {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً} أَيْ مُتَرَاكِمًا مُتَرَاكِبًا، {فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} أَيْ هَؤُلَاءِ هُمُ الْخَاسِرُونَ فِي الدنيا والآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>