قال مجاهد: أراهم الله إياه في منامه قليلاً، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فكان تثبيتاً لهم، وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ} أَيْ لَجَبُنْتُمْ وَاخْتَلَفْتُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ {وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} أَيْ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ أَرَاكَهُمْ قَلِيلًا، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أَيْ بِمَا تُجِنُّهُ الضَّمَائِرُ وَتَنْطَوِي عليه الأحشاء، {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}، وَقَوْلُهُ: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} وَهَذَا أَيْضًا مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى بِهِمْ إِذْ أَرَاهُمْ إِيَّاهُمْ قَلِيلًا فِي رَأْيِ الْعَيْنِ فَيُجَرِّؤُهُمْ عَلَيْهِمْ ويطمعهم فيهم. قال ابن مسعود رضي الله عنه: لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قلت لرجل إلى جنبي تَرَاهُمْ سَبْعِينَ؟ قَالَ: لَا، بَلْ هُمْ مِائَةٌ، حتى أخذنا رجلاً منهم، فسألناه فقال: كُنَّا أَلْفًا (رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جرير}، وقوله: {وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ}، قال عكرمة: حضض بعضهم على بعض، {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} أَيْ لِيُلْقِيَ بينهم الحرب للنقمة من أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ، وَالْإِنْعَامِ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَمَامَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ تَعَالَى أَغْرَى كُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بِالْآخَرِ، وَقَلَّلَهُ فِي عَيْنِهِ لِيَطْمَعَ فِيهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ، فَلَمَّا الْتَحَمَ الْقِتَالُ وَأَيَّدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدَفِينَ، بَقِيَ حِزْبُ الْكُفَّارِ يَرَى حِزْبَ الْإِيمَانِ ضِعْفَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التقا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رأى العين} وَهَذَا هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute