للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ: «غَدًا أُجِيبُكُمْ»، فَتَأَخَّرَ الوحي خمسة عشر يوماً، وَقَوْلُهُ، {وَاذْكُرْ رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}: قِيلَ مَعْنَاهُ إِذَا نَسِيتَ الِاسْتِثْنَاءَ فَاسْتَثْنِ عِنْدَ ذِكْرِكَ لَهُ (قاله أبو العالية والحسن البصري)، وقال ابن عباس في الرجل يحلف، لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَلَوْ إِلَى سَنَةٍ، وَكَانَ يقول {واذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} ذلك، وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَسْتَثْنِي وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ أَيْ إِذَا نَسِيَ أَنْ يَقُولَ في حلفه أو في كَلَامِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَكَرَ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ فَالسُّنَّةُ لَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِيَكُونَ آتِيًا بِسُنَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الحنث. قاله ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ، لا أن يكون رَافِعًا لِحِنْثِ الْيَمِينِ وَمُسْقِطًا لِلْكَفَّارَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ {وَاذْكُرْ رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}: إذا غضبت. وقال الطبراني، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {وَاذْكُرْ رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} أَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وروى الطبراني أيضاً عنه استثن إِذَا ذَكَرْتَ، وَقَالَ هِيَ خَاصَّةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ إِلَّا فِي صِلَةٍ مِنْ يَمِينِهِ، وَيَحْتَمِلُ فِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يكون الله تعالى قَدْ أَرْشَدَ مَنْ نَسِيَ الشَّيْءَ فِي كَلَامِهِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَنْشَؤُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، كَمَا قَالَ فَتَى مُوسَى: {وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلَاّ الشيطان أَنْ أذكره} وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، فَإِذَا ذَهَبَ الشيطان ذهب النسيان، فذكرُ الله تعالى سَبَبٌ لِلذِّكْرِ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَاذْكُرْ رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}. وقوله: {وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} أَيْ إِذَا سُئِلْتَ عَنْ شَيْءٍ لا تعلمه فاسأل الله تعالى فِيهِ، وَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُوَفِّقَكَ لِلصَّوَابِ والرشد في ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>