تُبْعَثَ، قَالَ: فَإِنِّي إِذَا مُتُّ ثُمَّ بُعِثْتُ جئتني ولي ثمَّ مال وولد فأعطيك، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً - إِلَى قَوْلِهِ - وَيَأْتِينَا فَرْدًا} (أخرجه الشيخان والإمام أحمد عن خباب بن الأرت)، وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ سَيْفًا، فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} قال: موثقاً.
وروى عبد الرزاق، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ، قَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ: كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أَعْمَلُ لِلْعَاصِ بْنِ وائل، فاجتمعت لي عليه دارهم، فجئت لأتقاضاها، فَقَالَ لِي: لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: فَإِذَا بُعِثْتُ كَانَ لِي مَالٌ وَوَلَدٌ، قَالَ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} الآيات. وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَطْلُبُونَ (العاص بن وائل) بِدَيْنٍ، فَأَتَوْهُ يَتَقَاضُونَهُ، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَحَرِيرًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْآخِرَةُ فَوَاللَّهِ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا، وَلَأُوتَيَنَّ مِثْلَ كِتَابِكُمُ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَهُ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا - إِلَى قوله - وَيَأْتِينَا فَرْداً}، وَقَوْلُهُ: {لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً}، قَرَأَ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنْ {وَلَداً} وَقَرَأَ آخَرُونَ بِضَمِّهَا وَهُوَ بمعناه، وَقِيلَ: إِنَّ الْوُلْدَ بِالضَّمِّ جَمْعٌ، وَالْوَلَدَ بِالْفَتْحِ مُفْرَدٌ، وَهِيَ لُغَةُ قَيْسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} إِنْكَارٌ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ {لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْ أَعَلِمَ ماله فِي الْآخِرَةِ، حَتَّى تَأَلَّى وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} أَمْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ سَيُؤْتِيهِ ذَلِكَ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ عند البخاري أنه الموثق، وقال ابن عباس: {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} قَالَ: لَا إله إلا الله فيرجو بها، وقال القرظي: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قرأ {ألا من اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}، وَقَوْلُهُ: {كَلَاّ} هِيَ حَرْفُ رَدْعٍ لِمَا قَبْلَهَا، وَتَأْكِيدٌ لِمَا بَعْدَهَا {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} أَيْ مِنْ طَلَبِهِ ذَلِكَ، وحكمه بنفسه، بما يتمناه وَكَفْرِهِ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً} أَيْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ عَلَى قَوْلِهِ ذلك وكفره بالله في الدينا، {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أَيْ مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ، نَسْلُبُهُ مِنْهُ عَكْسَ مَا قَالَ إِنَّهُ يُؤْتَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ مَالًا وَوَلَدًا، زِيَادَةً عَلَى الَّذِي لَهُ فِي الدُّنْيَا، بَلْ فِي الْآخِرَةِ يُسْلَبُ مِنَ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، ولهذا قال تعالى: {وَيَأْتِينَا فَرْداً} أَيْ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، قَالَ مجاهد {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ}: ماله وولده، وقال قَتَادَةَ {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} قَالَ: مَا عِنْدَهُ، وهو قوله: {لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} {وَيَأْتِينَا فَرْداً} لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ، وقال عبد الرحمن بن زيد {وَنَرِثُهُ مَا يقول} قال: من جمع من الدنيا وما عمل فيها، {وَيَأْتِينَا فَرْداً} قَالَ: فَرْدًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَتْبَعُهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute