فَيَأْخُذَ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَطْلَعِهِ، وَأَمَّا الْجِبَالُ وَالشَّجَرُ فَسُجُودُهُمَا بِفَيْءِ ظِلَالِهِمَا عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ فسجدتُ، فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِيَ بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ، قال ابن عباس: فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَةً، ثُمَّ سَجَدَ فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وابن حبان). وَقَوْلُهُ: {وَالدَّوَابُّ} أَيِ الْحَيَوَانَاتُ، كُلُّهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ اتِّخَاذِ ظُهُورِ الدَّوَابِّ مَنَابِرَ، فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ وأكثر ذكراً لله تعالى مِنْ رَاكِبِهَا. وَقَوْلُهُ: {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ} أَيْ يَسْجُدُ لِلَّهِ طَوْعًا مُخْتَارًا مُتَعَبِّدًا بِذَلِكَ، {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} أَيْ مِمَّنِ امْتَنَعَ وَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ، {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}. وَقَالَ ابن أبي حاتم: قيل لعلي إن ههنا رَجُلًا يَتَكَلَّمُ فِي الْمَشِيئَةِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، خَلَقَكَ اللَّهُ كَمَا يَشَاءُ أَوْ كَمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلْ كَمَا شَاءَ، قَالَ: فَيُمَرِّضُكَ إِذَا شَاءَ أَوْ إِذَا شِئْتَ؟ قال: بل إذا شاء، قال: فشفيك إِذَا شَاءَ أَوْ إِذَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلْ إِذَا شَاءَ، قَالَ: فَيُدْخِلُكَ حَيْثُ شِئْتَ أَوْ حَيْثُ يَشَاءُ، قَالَ: بَلْ حَيْثُ يَشَاءُ. قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ لَضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ بِالسَّيْفِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد لها اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بالسجود فأبيت فلي النار" (أخرجه مسلم في صحيحه).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute