للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أَيْ تَتَخَرَّقُ فِي أَكْنَافِهَا وَأَرْجَائِهَا وَجَوَانِبِهَا، وَتَحْتَ أَشْجَارِهَا وَقُصُورِهَا يَصْرِفُونَهَا حيث شاءوا وأين أرادوا، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا} مِنْ الحلية، {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} أَيْ فِي أَيْدِيهِمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ». وَقَوْلُهُ: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} فِي مُقَابَلَةِ ثِيَابِ أَهْلِ النَّارِ الَّتِي فُصِّلَتْ لَهُمْ، لِبَاسُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْحَرِيرِ إِسْتَبْرَقِهِ وَسُنْدُسِهِ، كَمَا قَالَ: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ}، وَفِي الصَّحِيحِ: «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ»، وَقَالَ عبد الله بن الزبير: من لَمْ يَلْبَسِ الْحَرِيرَ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}، وَقَوْلُهُ: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عليكم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار}، وَقَوْلِهِ: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً إِلَاّ قِيلاً سلاما سلاما} فَهُدُوْا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَسْمَعُونَ فِيهِ الْكَلَامَ الطيب، {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وسلاما} لَا كَمَا يُهَانُ أَهْلُ النَّارِ بِالْكَلَامِ الَّذِي يوبخون فيه ويقرعون به، يقال لَهُمْ: {ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ}، وَقَوْلُهُ: {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} أَيْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَحْمَدُونَ فِيهِ رَبَّهُمْ عَلَى مَا أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَأَنْعَمَ بِهِ وَأَسْدَاهُ إليهم، كما جاء في الحديث الصَّحِيحِ: «إِنَّهُمْ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ»، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} أَيِ الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ: الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ، {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} أَيِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ فِي الدُّنْيَا، وَكُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>