فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» وَهَذِهِ الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ وَالَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ أَخَصُّ مِنْهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات}، إلى قوله: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} أي صبركم عن تزوج الإماء خير لكم لِأَنَّ الْوَلَدَ يَجِيءُ رَقِيقًا {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، قَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً} قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَرَى الْمَرْأَةَ فَكَأَنَّهُ يَشْتَهِي، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَلْيَذْهَبْ إِلَيْهَا وَلْيَقْضِ حَاجَتَهُ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَلْيَنْظُرْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حتى يغنيه الله.
وقوله تعالى: {والذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مما ملكت أيمانهم فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فيهم خيرا} (في اللباب: أخرج ابن السكن: عن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال: كنت مملوكاً لحويطب بن عبد العزى فسألته الكتابة، فنزلت {والذين يبتغون ... } الآية) هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلسَّادَةِ إِذَا طلب عبيدهم منهم الكتابة أن يكاتبوهم، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ حِيلَةٌ وَكَسْبٌ، يُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الْمَالَ الَّذِي شَارَطَهُ عَلَى أَدَائِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَمْرُ إِرْشَادٍ وَاسْتِحْبَابٍ، لَا أَمْرَ تحتم وإيجاب، قال الشَّعْبِيِّ: إِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يكاتبه (وكذا قال عطاء ومقاتل وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ)، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ إِذَا طَلَبَ مِنْهُ عَبْدُهُ ذَلِكَ أَنْ يُجِيبَهُ إِلَى مَا طَلَبَ أَخْذًا بِظَاهِرِ هذا الأمر، وقال البخاري عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالًا أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَأْثِرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لا، ثم أخبرني أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ، وَكَانَ كَثِيرَ المال، فأبى، فانطلق إلى عمر رضي الله عنه، فَقَالَ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى، فَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ وَيَتْلُو عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} فكاتبه (ذكره البخاري معلقاً)،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute