وقوله تعالى: {وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً} أي وأمماً - أَضْعَافِ مَنْ ذُكِرَ أَهْلَكْنَاهُمْ - كَثِيرَةً، وَلِهَذَا قَالَ: {وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} أَيْ بَيَّنَّا لَهُمُ الحجج، ووضحنا لهم الأدلة، وأزحنا الأعذار عنهم، {وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً} أَيْ أَهْلَكْنَا إِهْلَاكًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نوح}، وَالْقَرْنُ هُوَ الْأُمَّةُ مِنَ النَّاسِ، كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ}، وحَدَّه بعضُهم بمائة، وقيل بثمانين، والأظهر أن القرن هو الأمة المتعاصرون في الزمن الواحد، وإذا ذهبوا وخلفهم جيل فهو قرن آخر، كما ثبت في الصحيحين: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذين يلونهم» الحديث. {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء} يعني قرية قوم لوط وهي (سدوم) التي أهلكها الله بالقلب والمطر من الحجارة التي مِنْ سِجِّيلٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَسَآءَ مطر المنذرين}، وَقَالَ: {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تعقلون}، وقال تعالى: {وَإِنَّهَا لبسبيل مقيم}، وقال: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مبين}، وَلِهَذَا قَالَ: {أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا}؟ أَيْ فَيَعْتَبِرُوا بِمَا حَلَّ بِأَهْلِهَا مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ بِسَبَبِ تكذيبهم بالرسول وبمخالفتهم أوامر الله، {بَلْ كَانُواْ لَا يَرْجُونَ نُشُوراً} يَعْنِي الْمَارِّينَ بِهَا مِنَ الْكُفَّارِ لَا يَعْتَبِرُونَ، لِأَنَّهُمْ {لَا يَرْجُونَ نُشُوراً} أَيْ مَعَادًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute