للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ أَنَا لَا أَفْتَقِرُ إِلَى مَا تَقُولُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَعْطَانِي هَذَا الْمَالَ لِعِلْمِهِ بِأَنِّي أَسْتَحِقُّهُ وَلِمَحَبَّتِهِ لِي، فَتَقْدِيرُهُ إِنَّمَا أُعْطِيتُهُ لِعِلْمِ اللَّهِ فيَّ أَنِّي أَهْلٌ لَهُ، وهذا كقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} أي على علم من الله بي، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَرَادَ {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} أَيْ إِنَّهُ كَانَ يعني عِلْمَ الْكِيمْيَاءِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ عِلْمَ الْكِيمْيَاءِ فِي نَفْسِهِ عِلْمٌ بَاطِلٌ، لِأَنَّ قَلْبَ الأعيان لا يقدر أحد عليه إلا الله عز وجلَّ (ردّ ابن كثير على هذا القول وبيّن أن من ادعى أنه يُحيل ماهية ذات إلى ماهية أُخرى فإنما هو كذب وجهل وضلال، وزغل وتمويه على الناس ثم قال: فأما ما يجريه الله سبحانه مِنْ خَرْقِ الْعَوَائِدِ عَلَى يَدَيْ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَهَذَا أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ مُسْلِمٌ، وَلَا يَرُدُّهُ مؤمن، وقد أجاد رحمه الله في هذا المقام وأفاده)، وقال بعضهم: إن قارون كان يعرف الِاسْمَ الْأَعْظَمَ فَدَعَا اللَّهَ بِهِ فَتَمَوَّلَ بِسَبَبِهِ، وَالصَّحِيحُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَادًّا عَلَيْهِ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنَ اعْتِنَاءِ اللَّهِ بِهِ فِيمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْمَالِ {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً}؟ أَيْ قَدْ كَانَ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ مَالًا، وَمَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ مَحَبَّةٍ مِنَّا لَهُ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ مَعَ ذَلِكَ بِكَفْرِهِمْ وَعَدَمِ شُكْرِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} أَيْ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ {عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} عَلَى خيرٍ عِنْدِي، وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَلَى عِلْمٍ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَقَدْ أَجَادَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْإِمَامُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ {قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} قَالَ: لَوْلَا رِضَا اللَّهِ عَنِّي وَمَعْرِفَتُهُ بِفَضْلِي مَا أَعْطَانِي هَذَا الْمَالَ، وَقَرَأَ: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً} الآية، وَهَكَذَا يَقُولُ مَنْ قلَّ عِلْمُهُ إِذَا رَأَى من وسع الله عليه، لَوْلَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ لَمَا أُعْطِيَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>