للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أَيْ صَبَّارٌ فِي الضَّرَّاءِ، شكور في الرخاء، ثم قال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ} أَيْ كَالْجِبَالِ وَالْغَمَامِ {دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَاّ إياه}، وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك} الآية، ثم قال تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر فَمِنْهُمْ متقصد} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ كَافِرٌ، كَأَنَّهُ فَسَرَّ الْمُقْتَصِدَ ههنا بالجاهد، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يشركون}، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ، هُوَ الْمُتَوَسِّطُ فِي الْعَمَلِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ هُوَ الْمُرَادُ في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} الآية، فالمقتصد ههنا هو المتوسط في العمل، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الإِنكار عَلَى مَنْ شَاهَدَ تِلْكَ الْأَهْوَالَ، وَالْأُمُورَ الْعِظَامَ، وَالْآيَاتِ الْبَاهِرَاتِ فِي البحر، ثم بعدما أنعم الله عليه بالخلاص، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَابِلَ ذَلِكَ بِالْعَمَلِ التَّامِّ، وَالدَّؤُوبِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ، فَمَنِ اقتصد بعد ذلك كان مقصراً والله أعلم، وقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلَاّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} الختار: هو الغدّار، قاله مجاهد والحسن وَهُوَ الَّذِي كُلَّمَا عَاهَدَ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَالْخَتْرُ أتم الغدر وأبلغه. قال عمرو بن معد يكرب:

وَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْرٍ * مَلَأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ

وَقَوْلُهُ: {كَفُورٍ} أَيْ جَحُودٌ لِلنِّعَمِ لَا يَشْكُرُهَا بَلْ يَتَنَاسَاهَا وَلَا يَذْكُرُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>