للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وقصر مشيد}، ولهذا قال ههنا: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} أَيْ إِنَّ فِي ذَهَابِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ وَدَمَارِهِمْ، وَمَا حَلَّ بِهِمْ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، وَنَجَاةِ مَنْ آمَنَ بِهِمْ، لآيات

وعبراً ومواعظ ودلائل {أَفَلَا يَسْمَعُونَ} أَيْ أَخْبَارَ مَنْ تَقَدَّمَ كَيْفَ كان من أمرهم. وقوله تَعَالَى:

{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرض الجزر} يُبَيِّنُ تَعَالَى لُطْفَهُ بِخَلْقِهِ وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ، فِي إرساله الماء مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ مِنَ السَّيْحِ، وَهُوَ مَا تحمله الأنهار ويتحدر مِنَ الْجِبَالِ، إِلَى الْأَرَاضِي الْمُحْتَاجَةِ إِلَيْهِ فِي أوقاته، ولهذا قال تعالى: {إِلَى الأرض الجرز} وهي الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزًا}، وأرض مصر رخوة تَحْتَاجُ مِنَ الْمَاءِ مَا لَوْ نَزَّلَ عَلَيْهَا مطراً لتهدمت أبنيتها فيسوق الله تعالى إِلَيْهَا النَّيْلَ، بِمَا يَتَحَمَّلُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ من أمطار بلاد الحبشة، فَيَسْتَغِلُّونَ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى مَاءٍ جَدِيدٍ مَمْطُورٍ فِي غَيْرِ بِلَادِهِمْ، وَطِينٍ جَدِيدٍ مِنْ غَيْرِ أرضهم فسبحان الحكيم الكريم المنان المحمود أبداً. روى قيس بن حجاج قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ مِصْرُ أَتَى أَهْلُهَا (عَمْرَو بن العاص) وكان أميراً بها، فقالوا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سُنَّةً لَا يَجْرِي إِلَّا بِهَا، قَالَ وَمَا ذاك؟ قالوا ذا كَانَتْ ثِنْتَا عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ عَمَدْنَا إِلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ بَيْنَ أَبَوَيْهَا فَأَرْضَيْنَا أَبَوَيْهَا وَجَعَلْنَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ أَفْضَلَ مَا يَكُونُ، ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا فِي هَذَا النِّيلِ فَقَالَ لَهُمْ عَمْرٌو: إِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فِي الإِسلام، إِنَّ الإِسلام يَهْدِمُ مَا كان قبله، فأقاموا وَالنِّيلُ لَا يَجْرِي حَتَّى هَمُّوا بِالْجَلَاءِ، فَكَتَبَ (عَمْرٌو) إِلَى (عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) بِذَلِكَ فَكَتَبَ إليه عمر إنك قد أصبت بالذي فعلت، قد بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِبِطَاقَةٍ دَاخِلَ كِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهَا فِي النِّيلِ، فَلَمَّا قَدِمَ كِتَابُهُ أَخَذَ عَمْرٌو الْبِطَاقَةَ فَفَتَحَهَا فَإِذَا فِيهَا: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى نِيلِ أَهْلِ مِصْرَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَجْرِي مِنْ قِبَلِكَ فَلَا تَجْرِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ هُوَ الَّذِي يُجْرِيكَ فَنَسْأَلُ اللَّهَ أن يجزيك، قال فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ النِّيلَ سِتَّةَ عشر ذراعاً في ليلة واحدة، وقد قطع اللَّهُ تِلْكَ السُّنَّةَ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ إِلَى اليوم (رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة). وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ}، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صباً} الآية، ولهذا قال ههنا: {أَفَلَا يُبْصِرُونَ}؟ وقال ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} قَالَ: هِيَ الَّتِي لَا تُمْطَرُ إِلَّا مَطَرًا لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا إِلَّا مَا يَأْتِيهَا من السيول، وقال عكرمة والضحاك: الْأَرْضِ الْجُرُزِ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا وَهِيَ مغبرة، قلت وهذا كقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة أَحْيَيْنَاهَا} الآيتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>