عباس رضي الله عنهم، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة بعده؟ قال: نعم (رواه مسلم في صحيحه). والذي لَا يَشُكُّ فِيهِ مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاخِلَاتٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ مَعَهُنَّ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ من آيات الله والحكمة} أي واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بيوتكن من الكتاب والسنّة، وَاذْكُرْنَ هَذِهِ النِّعْمَةَ الَّتِي خُصِصْتُنَّ بِهَا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، أَنَّ الْوَحْيَ يَنْزِلُ فِي بُيُوتِكُنَّ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، وَعَائِشَةُ الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ رضي عنهما أولاهن بهذه النعمة، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ فِي فِرَاشِ امْرَأَةٍ سِوَاهَا، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عليه، فَنَاسَبَ أَنَّ تُخَصُّصَ بِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ، وَأَنَّ تُفْرَدَ بهذه المرتبة الْعَلِيَّةِ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ أَزْوَاجُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ
فَقَرَابَتُهُ أَحَقُّ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أَحَقُّ»، وَهَذَا يُشْبِهُ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ فَقَالَ: «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا»، فَهَذَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، كَمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ ذَاكَ أُسس عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ فَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِتَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ والله أعلم. وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} أَيْ بِلُطْفِهِ بكن بلغتن هذه المنزلة، وبخبرته أَعْطَاكُنَّ ذَلِكَ وَخَصَّكُنَّ بِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: واذكروا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُنَّ بِأَنَّ جَعْلَكُنَّ فِي بُيُوتٍ تُتْلَى فِيهَا آيَاتُ اللَّهِ وَالْحِكْمَةُ، فَاشْكُرْنَ اللَّهَ تعالى عَلَى ذَلِكَ وَاحْمِدْنَهُ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خبيراً} أي إذا لُطْفٍ بِكُنَّ إِذْ جَعَلَكُنَّ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي تتلى فيها آيات الله وَالْحِكْمَةُ وَهِيَ (السُّنَّةُ) خَبِيرًا بِكُنَّ إِذِ اخْتَارَكُنَّ لرسوله أزواجاً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute