للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الليل ساجداً وقائماً}، وقال تعالى: {كُلُّ له قانتون} فالإسلام بعده مرتبة يرتقي إليها وهو {الإيمان} ثم القنوت ناشىء عَنْهُمَا {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} هَذَا فِي الْأَقْوَالِ فَإِنَّ الصدق خصلة محمودة، وَهُوَ عَلَامَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ كَمَا أَنَّ الْكَذِبَ أَمَارَةٌ عَلَى النِّفَاقِ؛ وَمَنْ صَدَقَ نَجَا، «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ» الحديث. {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} هَذِهِ سَجِيَّةُ الْأَثْبَاتِ، وَهِيَ الصَّبْرُ على المصائب، والعلم [ان المقدر كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَتَلَقِّي ذَلِكَ بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ وإنما الصبر عند الصدمة الأولى، أي أصبعه فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ ثُمَّ مَا بَعْدَهُ أَسْهَلُ منه وهو صدق السجية وثباتها {والخاشعين والخاشعين} الخشوع هو السُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَالتُّؤَدَةُ وَالْوَقَارُ وَالتَّوَاضُعُ، وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ الخوف من الله تعالى وَمُرَاقَبَتُهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} الصَّدَقَةُ هِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ المحاويج الضعفاء الذين لا كسب لهم، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّهِ - فَذَكَرَ مِنْهُمْ - وَرَجُلٌ تصدَّق بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ». وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الماء النار» والأحاديث في الحث عليها كثيرة جداً.

{والصائمين والصائمات} والصوم زكاة البدن، يزكيه ويطهره وينقيه من الأخلاط الرديئة، كما قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ دَخَلَ فِي قوله تعالى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} وَلَمَّا كَانَ الصَّوْمُ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى كَسْرِ الشَّهْوَةِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَهُ {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} أَيْ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ إِلَّا عَنِ الْمُبَاحِ، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}، وقوله تعالى: {والذاكرين الله كثيراً والذكرات}، روى ابن أبي حاتم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إذ أَيْقَظَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ كانا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ» (أخرجه ابن أبي حاتم ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بمثله). وفي الحديث: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعُهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ غَدًا فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: «ذكر الله عزَّ وجلّ» (أخرجه الإمام أحمد عن معاذ بن جبل مرفوعاً) وروي أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَقَالَ: أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ

أَعْظَمُ أَجْرًا يَا رَسُولَ الله؟ قال رسول الله عليه وسلم: «أكثرهم لله تعالى ذِكْرًا»، قَالَ: فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَكْثَرُ أَجْرًا؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أكثرهم لله عزَّ وجل ذِكْرًا» ثُمَّ ذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ، كل ذلك يقول رسول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أجل» (أخرجه الإمام أحمد في المسند). وقوله تعالى: {أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} خبر عن هؤلاء المذكورين كلهم، أي أن الله تعالى قد أعد لهم أي هيأ لهم {مَّغْفِرَةً} منه لذنوبهم و {أجراً عَظِيماً} وَهُوَ الْجَنَّةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>