- ٥١ - وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ
- ٥٢ - وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ
- ٥٣ - وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ
- ٥٤ - وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شك مريب
يقول تبارك وتعالى: ولو ترى يا محمد إذا فَزِعَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {فَلَا فَوْتَ} أي فلا مفر لهم ولا وزر لهم وَلَا مَلْجَأَ {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} أَيْ لم يمكنوا أن يمعنوا فِي الْهَرَبِ، بَلْ أُخِذُوا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: حِينَ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، وقال مجاهد وَقَتَادَةُ: مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِمْ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ: يَعْنِي عَذَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي قَتَلَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ الطَّامَّةُ الْعُظْمَى، وَإِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ مُتَّصِلًا بذلك، {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ} أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ آمنا بالله ورسله كما قال تعالى: {رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا موقنون}، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} أَيْ وَكَيْفَ لَهُمْ تَعَاطِي الْإِيمَانِ، وَقَدْ بَعُدُوا عَنْ مَحَلِّ قَبُولِهِ مِنْهُمْ، وَصَارُوا إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةَ، وَهِيَ (دَارُ الْجَزَاءِ) لَا دَارُ الِابْتِلَاءِ؟ فَلَوْ كَانُوا آمِنُوا فِي الدُّنْيَا لَكَانَ ذَلِكَ نَافِعَهُمْ، وَلَكِنْ بَعْدَ مَصِيرِهِمْ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةَ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى قَبُولِ الإيمان، قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} قَالَ: التَّنَاوُلُ لِذَلِكَ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: التَّنَاوُشُ تَنَاوُلُهُمُ الْإِيمَانَ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدِ انْقَطَعَتْ عَنْهُمُ الدُّنْيَا، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَمَا إِنَّهُمْ طَلَبُوا الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ لَا يُنَالُ، تَعَاطَوُا الْإِيمَانَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلَبُوا الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا وَالتَّوْبَةَ مِمَّا هُمْ فِيهِ وَلَيْسَ بِحِينِ رجعة ولا توبة.
وقوله تعالى: {وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} أَيْ كَيْفَ يَحْصُلُ لَهُمُ الْإِيمَانُ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ كَفَرُوا بِالْحَقِّ فِي الدُّنْيَا وَكَذَّبُوا بِالرُّسُلِ، {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} يعني بالظن، كما قال تعالى: {رَجْماً بالغيب} فَتَارَةً يَقُولُونَ شَاعِرٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ كَاهِنٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ سَاحِرٌ، وَتَارَةً يَقُولُونَ مَجْنُونٌ، إِلَى غَيْرِ ذلك من الأقوال الباطلة، ويكذبون بالبعث وَالنُّشُورِ وَالْمَعَادِ، {وَيَقُولُونَ إِن نَّظُنُّ إِلَاّ ظَنّاً وما نحن بمستيقين} قال قتادة ومجاهد: يَرْجُمُونَ بِالظَّنِّ، لَا بَعْثَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نار، وقوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمَا: يَعْنِي الْإِيمَانُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}: وَهِيَ التَّوْبَةُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ مَالٍ وَزَهْرَةٍ وَأَهْلٍ (وَرُوِيَ نحوه عن ابن عمر وابن عباس وَالرَّبِيعِ بْنِ أنَس وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَجَمَاعَةٍ من العلماء)، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ قَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شَهَوَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا طَلَبُوهُ فِي الْآخِرَةِ فَمُنِعُوا مِنْهُ. وقوله تعالى: {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِن قَبْلُ} أَيْ كَمَا جرى للأمم الماضية المكذبة بالرسل لَمَّا جَاءَهُمْ بِأْسُ اللَّهِ، تَمَنَّوْا أَنْ لَوْ آمنوا فلم يقبل منهم {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون}، وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ} أَيْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا فِي شَكٍّ وَرِيبَةٍ فَلِهَذَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُمُ الْإِيمَانُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ، قَالَ قَتَادَةُ: إِيَّاكُمْ وَالشَّكَّ وَالرِّيبَةَ، فَإِنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى شَكٍّ بُعِثَ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى يقين بعث عليه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute