الطَّوِيلِ يَعْلَمُهُ وَهُوَ عِنْدَهُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ {وَماَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْجِنْسِ، لأن الطويل العمر في الكتاب وفي علم الله تعالى لَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ، وَإِنَّمَا عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْجِنْسِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ عندي ثوب ونصفه، أي ونصف ثوب آخر.
وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} الآية، يقول: ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إِلَّا وَهُوَ بَالِغٌ مَا قَدَّرْتُ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ، وَقَدْ قَضَيْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي قَدَّرْتُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر، والحياة ببالغ العمر، وَلَكِنْ يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ، فذلك قوله تعالى:{وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَاّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} يَقُولُ: كُلُّ ذلك في كتاب عنده، وقال زيد بن أسلم {وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَاّ فِي كِتَابٍ} قَالَ: مَا لَفَظَتِ الْأَرْحَامُ مِنَ الْأَوْلَادِ مِنْ غَيْرِ تَمَامٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي تَفْسِيرِهَا: أَلَا تَرَى النَّاسَ يَعِيشُ الْإِنْسَانُ مِائَةَ سَنَةٍ وَآخَرُ يَمُوتُ حِينَ يُولَدُ فَهَذَا هَذَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَالَّذِي يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ فَالَّذِي يَمُوتُ قَبْلَ سِتِّينَ سَنَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَاّ فِي كِتَابٍ} أَيْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ يُكْتَبُ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ عَلَى عُمُرٍ واحد، بل لهذا عمر، ولهذا عمر، فكل ذَلِكَ مَكْتُوبٌ لِصَاحِبِهِ بَالِغٌ مَا بَلَغَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَعْنَاهُ {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} أَيْ مَا يُكْتَبُ مِنَ الْأَجَلِ {وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} وَهُوَ ذَهَابُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا الْجَمِيعُ معلوم عند الله تعالى سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ وَشَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ، وَجُمُعَةً بعد جمعة، وَسَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ الْجَمِيعُ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ تعالى في كتابه، نقله ابن جرير عن أبي مالك، واختار ابن جرير الأول، ويؤيده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه»(رواه البخاري ومسلم والنسائي واللفظ له)، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «إن الله تعالى لَا يُؤَخِّرُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجْلُهَا، وَإِنَّمَا زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقه الْعَبْدَ فَيَدْعُونَ لَهُ مِن بَعْدِهِ فَيَلْحَقُهُ دُعَاؤُهُمْ في قبره فذلك زيادة العمر»، وقوله عزَّ وجلَّ:{إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أَيْ سَهْلٌ عليه يسير لديه، فإن عمله شامل للجميع لا يخفى عليه شيء منها.