للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال عزَّ وجلَّ {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أَيْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْغِنَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُوَ الْحَمِيدُ فِي جَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ وَيَقُولُهُ وَيُقَدِّرُهُ وَيُشَرِّعُهُ، وقوله تَعَالَى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أَيْ لَوْ شَاءَ لَأَذْهَبَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَتَى بِقَوْمٍ غَيْرِكُمْ وَمَا هَذَا عَلَيْهِ بِصَعْبٍ وَلَا مُمْتَنِعٍ، ولهذا قال تعالى: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ}، وقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا} أَيْ وَإِنْ تَدْعُ نَفْسٌ مُثْقَلَةٌ بِأَوْزَارِهَا إِلَى أَنْ تُسَاعَدَ عَلَى حَمْلِ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْأَوْزَارِ أَوْ بَعْضِهِ {لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} أي وإن كَانَ قَرِيبًا إِلَيْهَا حَتَّى وَلَوْ كَانَ أَبَاهَا أو ابنها، كل مشغول بنفسه وحاله، قال عكرمة في قوله تعالى: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا} الْآيَةَ، قَالَ: هُوَ الْجَارُ يَتَعَلَّقُ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ كَانَ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونِي، وَإِنَّ الْكَافِرَ لَيَتَعَلَّقُ بِالْمُؤْمِنِ يَوْمَ القيامة فيقوله لَهُ: يَا مُؤْمِنُ إِنَّ لِي عِنْدَكَ يَدًا قد عرفت كيف كنت لك في الدينا، وَقَدِ احْتَجْتُ إِلَيْكَ الْيَوْمَ، فَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يَشْفَعُ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ، حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى مَنْزِلٍ دُونَ مَنْزِلِهِ، وَهُوَ فِي النَّارِ، وَإِنَّ الْوَالِدَ لَيَتَعَلَّقُ بِوَلَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا بُنَيَّ أَيُّ وَالِدٍ كُنْتُ لَكَ فَيُثْنِي خَيْرًا، فَيَقُولُ لَهُ يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدِ احْتَجْتُ إِلَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ حَسَنَاتِكَ أَنْجُو بِهَا مِمَّا تَرَى، فَيَقُولُ لَهُ وَلَدُهُ: يَا أَبَتِ مَا أَيْسَرَ مَا طَلَبْتَ، وَلَكِنِّي أَتَخَوَّفُ مِثْلَ مَا تَتَخَوَّفُ، فَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا، ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِزَوْجَتِهِ فَيَقُولُ: يَا فُلَانَةُ أَوْ يَا هَذِهِ، أَيُّ زَوْجٍ كُنْتُ لَكِ فَتُثْنِي خَيْرًا، فَيَقُولُ لَهَا: إِنِّي أَطْلُبُ إِلَيْكِ حَسَنَةً واحدة تهبين لِي لَعَلِّي أَنْجُو بِهَا مِمَّا تَرَيْنَ، قَالَ، فَتَقُولُ: مَا أَيْسَرَ مَا طَلَبْتَ، وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا إِنِّي أَتَخَوَّفُ مِثْلَ الذي تتخوف، يقول الله تعالى: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا} الْآيَةَ. وَيَقُولُ تبارك وتعالى: {لَاّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن ولده شيئاً}، وَيَقُولُ تَعَالَى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يغنيه}، ثم قال تبارك وتعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ} أَيْ إِنَّمَا يَتَّعِظُ بِمَا جِئْتَ بِهِ أُولُو الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى، الْخَائِفُونَ مِنْ رَبِّهِمْ الْفَاعِلُونَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، {وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} أَيْ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّمَا يَعُودُ عَلَى نَفْسِهِ، {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أَيْ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، وَسَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شرا فشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>