قال ابن مسعود رضي الله عنه {والصافات صَفَّا}، {فالزاجرات زَجْراً}، {فالتاليات ذِكْراً}: هي الملائكة (وهو قول ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ ومجاهد والسدي وقتادة وغيرهم)؛ وقال قتادة: الملائكة صفوف في السماء، روى مسلم عن جابر بن سمرة رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟» قُلْنَا: وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» (وفي صحيح مسلم أيضاً "فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الملائكة" الحديث). وقال السدي معنى قوله تعالى:{فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً}: أَنَّهَا تَزْجُرُ السَّحَابَ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَس {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً}: مَا زَجَرَ اللَّهُ تعالى عنه في القرآن، {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} قَالَ السُّدِّيُّ: الْمَلَائِكَةُ يَجِيئُونَ بِالْكِتَابِ والقرآن من عند الله إلى الناس، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً}، وقوله عزَّ وجلَّ:{إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ رَبُّ السماوات والأرض}، هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {وَمَا بَيْنَهُمَا} أَيْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، {وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} أَيْ هُوَ الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْخَلْقِ، بِتَسْخِيرِهِ بِمَا فيه من كواكب تَبْدُو مِنَ الْمَشْرِقِ وَتَغْرُبُ مِنَ الْمَغْرِبِ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْمَشَارِقِ عَنِ الْمَغَارِبِ لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ، وَقَدْ صرح بذلك في قوله عزَّ وجلَّ:{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ}، وقال تعالى {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} يَعْنِي فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.