للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ويهانون بسببه، وقوله عزَّ وجلَّ: {هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ النار}، هذا إخبار من الله تعالى عَنْ قِيلِ أَهْلِ النَّارِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} يَعْنِي بَدَلَ السَّلَامِ يَتَلَاعَنُونَ وَيَتَكَاذَبُونَ، وَيَكْفُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَتَقُولُ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَدْخُلُ قَبْلَ الْأُخْرَى، إذا أقبلت مَعَ الْخَزَنَةِ مِنَ الزَّبَانِيَةِ {هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ} أَيْ دَاخِلٌ {مَّعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ النَّارِ} أَيْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ جَهَنَّمَ، {قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ} أَيْ فَيَقُولُ لَهُمُ الدَّاخِلُونَ {بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} أَيْ أَنْتُمْ دَعَوْتُمُونَا إِلَى مَا أَفْضَى بِنَا إِلَى هَذَا الْمَصِيرِ، {فَبِئْسَ الْقَرَارُ} أَيْ فَبِئْسَ الْمَنْزِلُ وَالْمُسْتَقَرُّ وَالْمَصِيرُ {قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ}، كَمَا قَالَ عزَّ وجلَّ: {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ * قَالَ لكلٍ ضعفٌ ولكن لَا تَعْلَمُونَ} أَيْ لِكُلٍّ مِنْكُمْ عَذَابٌ بِحَسَبِهِ، {وَقَالُواْ مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الْأَشْرَارِ *

أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصارْ؟ هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ، أَنَّهُمْ يفتقدون رجالاً كانوا معهم يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ فِي زَعْمِهِمْ قَالُوا: مَا لَنَا لَا نَرَاهُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ؟ قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ يَقُولُ: مَا لِي لَا أَرَى بِلَالًا وعماراً وصهيباً وفلاناً وفلاناً؟ وهذا ضرب مثل، وَإِلَّا فَكُلُّ الْكُفَّارِ هَذَا حَالُهُمْ، يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْكُفَّارُ النَّارَ، افْتَقَدُوهُمْ فَلَمْ يَجِدُوهُمْ، فَقَالُوا: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً} أي في الدار الدُّنْيَا {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ}؟ يُسَلُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْمُحَالِ، يَقُولُونَ: أَوْ لَعَلَّهُمْ مَعَنَا فِي جَهَنَّمَ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ بَصَرُنَا عَلَيْهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ فِي الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَاتِ وَهُوَ قَوْلُهُ عزَّ وجلَّ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رنبا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً؟ قَالُواْ: نَعَمْ، فأذَّن مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله على الظالمين}، وقوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ}، أَيْ إِنَّ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْنَاكَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ، مِنْ تَخَاصُمِ أَهْلِ النَّارِ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، وَلَعْنِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، لحقٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ ولا شك.

<<  <  ج: ص:  >  >>