للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

إِذَا حَجُّوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ: «لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ هِيَ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْمُشْرِكُونَ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ، وَجَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بِرَدِّهَا وَالنَّهْيِ عَنْهَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَى إِفْرَادِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ اخْتَرَعَهُ الْمُشْرِكُونَ مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِ، وَلَا رَضِيَ بِهِ، بَلْ أَبْغَضَهُ وَنَهَى عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدون}، وأخبر أن الملائكة التي في السماوات، كلهم عبد خاضعون لله، لا يشفعون عند إِلَّا بِإِذْنِهِ لِمَنِ ارْتَضَى، وَلَيْسُوا عِنْدَهُ كَالْأُمَرَاءِ عند ملوكهم، يشفعون عندهم بغير إذنهم {فَلَا تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال} تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وقوله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُم} أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {فيما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أَيْ سَيَفْصِلُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ يوم معادهم، ويجزي كل عامل بعمله، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} أَيْ لَا يُرْشِدُ إِلَى الْهِدَايَةِ، مَنْ قصده الكذب والافتراء على الله تعالى، وقلبه كافر بِآيَاتِهِ وَحُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ؛ ثُمَّ بيَّن تَعَالَى أَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ كَمَا يَزْعُمُهُ جَهَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَلَائِكَةِ، وَالْمُعَانِدُونَ مَنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي العزير وعيسى، فقال تبارك وتعالى: {لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} أَيْ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا يَزْعُمُونَ، وَهَذَا شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ وُقُوعُهُ وَلَا جَوَازُهُ بَلْ هُوَ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا قَصَدَ تَجْهِيلَهُمْ فِيمَا ادَّعَوْهُ وَزَعَمُوهُ كَمَا قال عزَّ وجلَّ: {لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَاّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كنا فاعلين}، فهذا مِنْ بَابِ الشَّرْطِ، وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الشَّرْطِ عَلَى المستحيل لمقصد المتكلم، وقوله تعالى: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} أَيْ تَعَالَى وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ، عَنْ أَنْ

يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، فإنه الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي قهر الأشياء، فدانت له وذلت وخضعت، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>