والآخرة كما جرى لموسى بن عمران عليه السلام، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَهُ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَالدَّلَائِلِ الواضحات، ولهذا قال تعالى: {بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} وَالسُّلْطَانُ هُوَ الْحُجَّةُ وَالْبُرْهَانُ، {إلى فِرْعَوْنَ} وهو مَلِكُ الْقِبْطِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، {وَهَامَانَ} وَهُوَ وَزِيرُهُ فِي مَمْلَكَتِهِ {وَقَارُونَ} وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ مَالًا وَتِجَارَةً، {فَقَالُواْ: سَاحِرٌ كَذَّابٌ} أَيْ كذبوه وجعلوه ساحراً مجنوناً، مموّهاً كذاباً في أن الله جلا وعلا أَرْسَلَهُ وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَلِكَ مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلَاّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}، {فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِالْحَقِّ مِّنْ عِندِنَا} أَيْ بِالْبُرْهَانِ القاطع الدال على أن الله عزَّ وجلَّ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ، {قَالُواْ اقْتُلُوا أَبْنَآءَ الَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَآءَهُمْ}، وَهَذَا أَمْرٌ ثَانٍ مِنْ فِرْعَوْنَ بِقَتْلِ ذُكُورِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَانَ لِأَجْلِ الِاحْتِرَازِ مِنْ وُجُودِ مُوسَى، أَوْ لِإِذْلَالِ هَذَا الشَّعْبِ وَتَقْلِيلِ عَدَدِهِمْ، أَوْ لِمَجْمُوعِ الأمرين، واما الأمر الثاني فلإهانة هَذَا الشَّعْبِ، وَلِكَيْ يَتَشَاءَمُوا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِهَذَا قَالُوا: {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا
وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَاّ فِي ضَلَالٍ} أَيْ وَمَا مَكْرُهُمْ وَقَصْدُهُمُ الَّذِي هُوَ تَقْلِيلُ عَدَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِئَلَّا يُنْصَرُوا عَلَيْهِمْ إِلَّا ذَاهِبٌ وَهَالِكٌ فِي ضَلَالٍ {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ}، وَهَذَا عَزْمٌ مِنْ فِرْعَوْنَ - لعنة الله - على قتل موسى عليه الصلاة والسلام؛ أَيْ قَالَ لِقَوْمِهِ دَعُونِي حَتَّى أَقْتُلَ لَكُمْ هَذَا {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أَيْ لَا أُبَالِي مِنْهُ، وهذا في غاية الجحد والعناد {إِنِّي أَخَافُ إِنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد} يَخْشَى فِرْعَوْنُ أَنْ يُضِلَّ مُوسَى النَّاسَ وَيُغَيِّرَ رُسُومَهُمْ وَعَادَاتِهُمْ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: صَارَ فِرْعَوْنُ مُذَكِّرًا، يَعْنِي وَاعِظًا، يُشْفِقُ عَلَى الناس من موسى عليه السلام، {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَاّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} أَيْ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ فِرْعَوْنَ {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} قال موسى عليه السلام: اسْتَجَرْتُ بِاللَّهِ، وَعُذْتُ بِهِ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ أَمْثَالِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} أَيُّهَا الْمُخَاطَبُونَ {مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} أَيْ عَنِ الْحَقِّ مُجْرِمٍ {لَاّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ، وَنَدْرَأُ بِكَ فِي نُحُورِهِمْ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute