وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أَيْ أَنَّهُ خَلَقَ اللَّيْلَ بظلامه، والنهار بضيائه، وهما متعاقبان لا يفتران، والشمس ونورها وإشراقها والقمر وضياءه وتقديره مَنَازِلِهِ فِي فَلَكِهِ، وَاخْتِلَافَ سَيْرِهِ فِي سَمَائِهِ، لِيُعْرَفَ بِاخْتِلَافِ سَيْرِهِ وَسَيْرِ الشَّمْسِ مَقَادِيرُ اللَّيْلِ والنهار، والشهور والأعوام، ويتبين بذلك حلول أوقات الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أَحْسَنَ الْأَجْرَامِ الْمُشَاهَدَةِ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ عَبْدَانِ مِنْ عبيده، تحت قهره وتسخيره فقال: {لاتسجدوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أَيْ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ فَمَا تَنْفَعُكُمْ عِبَادَتُكُمْ لَهُ مَعَ عِبَادَتِكُمْ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، ولهذا قال تعالى: {فَإِنِ استكبروا} أي عن إفراده الْعِبَادَةِ لَهُ وَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يُشْرِكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، {فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} كَقَوْلِهِ عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بكافرين}. وروى الحافظ أبو يعلى، عن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا اللَّيْلَ وَلَا النَّهَارَ وَلَا الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ وَلَا الرِّيَاحَ فَإِنَّهَا تُرْسَلُ رَحْمَةً لِقَوْمٍ وَعَذَابًا لِقَوْمٍ» وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} أَيْ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى إِعَادَةِ الْمَوْتَى {أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} أَيْ هَامِدَةً لَا نَبَاتَ فِيهَا بَلْ هِيَ مَيْتَةٌ، {فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أَيْ أخرجت من جميع أَلْوَانِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute