للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأنفس}، وقرأ بعضهم تشتهي الْأَنْفُسُ: {وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} أَيْ طِيبَ الطَّعْمِ وَالرِّيحِ وحسن المنظر، روى عبد الرزاق عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجنة منزلة وأسفلهم درجة لا يدخل بعده الجنة أَحَدٌ، يُفْسَحُ لَهُ فِي بَصَرِهِ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ، فِي قُصُورٍ مِنْ ذَهَبٍ وَخِيَامٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ، لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا مَعْمُورٌ، يغدى عليه ويراح بسبعين ألف صفحة من ذهب ليس فيها صفحة لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مِثْلُهُ، شَهْوَتُهُ فِي آخِرِهَا كَشَهْوَتِهِ فِي أَوَّلِهَا، لَوْ نَزَلَ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ لَوَسِعَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أُعْطي، لا ينقص ذلك مما أوتي شيئاً» (أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس مرفوعاً).

وقوله تعالى: {وَأَنتُمْ فِيهَا} أَيْ فِي الْجَنَّةِ {خَالِدُونَ} أَيْ لَا تَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا تَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، ثم قيل لهم على مجه التَّفَضُّلِ وَالِامْتِنَانِ: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ أَعْمَالُكُمُ الصَّالِحَةُ كَانَتْ سَبَبًا لِشُمُولِ رَحْمَةِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أحداً عملُه الجنة ولكن برحمة الله وفضله، وإنما الدرجات ينال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات. روى ابن أبي حاتم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ فيكون له حَسْرَةً، فَيَقُولُ: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، وَكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} فيكون له شكراً"، قال: وما مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ ومنزل في النار، الكافر يَرِثُ الْمُؤْمِنَ مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ، وَالْمُؤْمِنُ يَرِثُ الكافر منزله في الجنة وذلك قوله تعالى: {وَتِلْكَ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تعملون} (أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعاً)، وقوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ} أَيْ مِنْ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ {مِّنْهَا تَأْكُلُونَ} أَيْ مهما اخترتم وأردتم، ولما ذكر الطعام والشراب ذكر بعده الفاكهة لتتمم النعمة والغبطة، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>