للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّآ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللَّهُ} الآية، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إليهم ولعلهم يتفكرون}.

وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنِّي أوتيتُ القرآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» يَعْنِي السُّنَّةَ، وَالسُّنَّةُ أَيْضًا تَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ، كَمَا يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تُتْلَى كما يتلى القرآن، وَالْغَرَضُ أَنَّكَ تَطْلُبُ تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ مِنْهُ، فَإِنْ لم تجده فمن السنّة، فإذا لَمْ نَجِدِ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوا مِنَ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتُصُّوا بِهَا، وَلِمَا لَهُمْ مِنَ الْفَهْمِ التَّامِّ، وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَا سيما علماؤهم وكبراؤهم، والأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهتدين المهديّين، وعبد الله بن مسعود، وعبد اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أجمعين" (مقدمة تفسير ابن كثير صفحة /١٢/)

وإنّا لنجد في عصرنا الحاضر ميل الناس إلى التزوّد من الثقافة الدينية، ولا سيما تفسير الكتاب الكريم، والسنّة النبوية المطهّرة، وكثيراً ما يُسأل الإنسان: أيُّ التفاسير أسهل منالاً، وأجدى فائدة للقارىْ في الزمن القليل؟ فيقف المرء واجماً حائراً لا يجد جوابا عن سؤال السائل، علماً بأن كتب التفسير - ولله الحمد - كثيرة، وفيها فوائد جمة، ودرر متناثرة، وأسرار دينية عظيمة، ولكنها قد حشيت بالكثير من مصطلحات الفنون: من بلاغة، ونحو، وصرف، وفقه، وأصول، وغير ذلك مما كان عقبة كأداء، أمام العامة من القراء، لذلك دعت الحاجة الماسة إلى تذليل هذه الصعاب، تيسير فهم العظيم على عامة الناس، بسلوك منهج السهولة والسلاسة، وقد أشار علينا بعض الأخوة الفضلاء ومنهم الأخ الكريم المدير العام لدار القرآن الكريم باختصار تفسير العلاّمة (ابن كثير) نظراً لفائدته الجمة، وما امتاز به عن بقية التفاسير، من تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنّة المطهرة، ثم بأقوال الصحابة والتابعين، مع وضوح العبارة وسهولتها، وجمعه بين التفسير بالمأثور، والتفسير بالمعقول، وقد سبقت معنا كلمة الإمام السيوطي رحمه الله: «لم يؤلف على نمطه مثله» وهي كلم جديرة بالتدبر والاعتبار.

ولما كان تفسير العلاّمة بان كثير رحمة الله - على ما فيه من مزايا كريمة - لا ينتفع منه إلا الخاصة من العلماء، وذلك بسبب ما فيه من تطويل وتفصيل لأمور لا حاجة لذكرها، وبخاصة عند ذكر الآثار المروية، والأسانيد للأحاديث الشريفة، مع أن معظمها في كتب الصحاح، وكذلك الكلام على هذه الأسانيد بالجرج والتعديل، وما فيه من خلافات فقهية لا ضرورة لذكرها، مما تجعل الفائدة منه قاصرة على فئة مخصوصة من طلبة العلم الشرعي.

لذلك فقد عزمنا النية على اختصاره، وتنقيته من الشوائب، واستجابة للرغبة الملحّة من إخوتنا الأفاضل وبتكليف من «دار القرآن الكريم» ليعمّ به النفع، وتتحقق منه الفائدة المرجوة، علماً بأن اختصاره لا يعني أننا أغفلنا شطره، وحذفنا كثيراً منه، بل إن ما فعلناه لا يعدوا أن يكون حذفاً لما لا ضرورة له، من الروايات المكررة، والأسانيد المطولة، والآثار الضعيفة، والأحكام التي لا حاجة لها، وبقي روح التفسير كما هو، بثوبه القشيب، وجماله الناصع،

<<  <  ج: ص:  >  >>