{هَذَا نَذِيرٌ} يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى} أَيْ مِنْ جِنْسِهِمْ أُرْسِلَ كَمَا أُرْسِلُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ}، {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} أَيِ اقْتَرَبَتِ الْقَرِيبَةُ وَهِيَ الْقِيَامَةُ، {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} أَيْ لَا يَدْفَعُهَا إِذًا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَحَدٌ، ولا يطلع على علمها سواه، و {النذير} الْحَذَرُ لِمَا يُعَايِنُ مِنَ الشَّرِّ، الَّذِي يُخْشَى وقوعه فيمن أنذرهم، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ» أَيِ الَّذِي أَعْجَلَهُ شِدَّةُ مَا عَايَنَ مِنَ الشَّرِّ عَنْ أَنْ يَلْبَسَ عَلَيْهِ شَيْئًا، بَلْ بَادَرَ إِلَى إِنْذَارِ قَوْمِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَجَاءَهُمْ عُرْيَانًا مُسْرِعًا وهو مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} أَيِ اقْتَرَبَتِ الْقَرِيبَةُ يعني يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ» وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الوسطى والتي تلي الإبهام، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي استماعهم القرآن وإعراضهم عنه وتلهيهم {أَفَمِنْ هذا الحديث تَعْجَبُونَ}؟ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، {وَتَضْحَكُونَ} مِنْهُ اسْتِهْزَاءً وَسُخْرِيَةً، {وَلَا تَبْكُونَ} أَيْ كَمَا يَفْعَلُ الْمُوقِنُونَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ، {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خشوعاً}، وقوله تعالى: {وَأَنتُمْ سَامِدُونَ} قال ابْنِ عَبَّاسٍ {سَامِدُونَ} مُعْرِضُونَ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: غَافِلُونَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابن عباس: تستكبرون، وبه يقول السدي (في اللباب: وأخرج ابن أبي حاتم: كانوا يمرون على الرسول وهو يصلي شامخين فنزلت {وأنتم سامدون}). ثم قال تعالى آمراً لعباده بالسجود له والعبادة: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}، أَيْ فَاخْضَعُوا لَهُ وَأَخْلِصُوا ووحِّدوه. روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ والمشركون والجن والإنس (انفرد به البخاري دون مسلم).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute