وتواعدوه، {لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ حَسَنٌ، {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} أَيْ إِنِّي ضَعِيفٌ عَنْ هَؤُلَاءِ وَعَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ فَانْتَصِرْ أَنْتَ لِدِينِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} وهو الْكَثِيرُ، {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} أَيْ نَبَعَتْ جَمِيعُ أَرْجَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى التَّنَانِيرُ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النِّيرَانِ نَبَعَتْ عُيُوناً، {فَالْتَقَى الْمَاءُ} أَيْ مِّنَ السماء والأرض {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أَيْ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ. قال ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} كَثِيرٍ لَمْ تُمْطِرِ السَّمَاءُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ولا بعده إلا مِنَ السَّحَابِ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ سَحَابٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَالْتَقَى الْمَاءَانِ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} قال ابن عباس: هي المسامير، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الدُّسُرُ أَضْلَاعُ السَّفِينَةِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ: هُوَ صَدْرُهَا الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ الْمَوْجُ. وقال الضحّاك: الدسر طرفاها وَأَصْلُهَا، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ كلكلها أي صدرها، وَقَوْلُهُ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أَيْ بِأَمْرِنَا بِمَرْأًى مِنَّا وَتَحْتَ حِفْظِنَا وَكَلَاءَتِنَا {جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} أَيْ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَانْتِصَارًا لنوح عليه السلام، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً} قَالَ قَتَادَةُ: أَبْقَى اللَّهُ سَفِينَةَ نُوحٍ حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ جِنْسُ السُّفُنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون}، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}، ولهذا قال ههنا {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} أَيْ فَهَلْ مَنْ يَتَذَكَّرُ ويتعظ؟ وقوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} أَيْ كَيْفَ كَانَ عَذَابِي لِمَنْ كَفَرَ
بِي وَكَذَّبَ رُسُلِي وَلَمْ يَتَّعِظْ بِمَا جَاءَتْ بِهِ نُذُرِي، وَكَيْفَ انْتَصَرْتُ لَهُمْ وَأَخَذْتُ لَهُمْ بِالثَّأْرِ، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} أَيْ سَهَّلْنَا لَفْظَهُ وَيَسَّرْنَا مَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَهُ لِيَتَذَكَّرَ النَّاسُ، كَمَا قَالَ: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا آياته وليتذكروا أولوا الألباب}، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً}، قَالَ مُجَاهِدٌ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} يَعْنِي هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَسَّرْنَا تِلَاوَتَهُ عَلَى الألسن، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ يَسَّرَهُ عَلَى لِسَانِ الْآدَمِيِّينَ مَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ أن يتكلم بكلام الله عزَّ وجلَّ، وَقَوْلُهُ: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} أَيْ فَهَلْ مِنْ مُتَذَكِّرٍ بِهَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ حفظه ومعناه؟ وقال القرظي: فهل من منزجر عن المعاصي؟ وروى ابن أبي حاتم، عن مطر الْوَرَّاقُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} هل من طالب علم فيعان عليه (أخرجه ابن أبي حاتم وعلّقه البخاري بصيغة الجزم عن مطر الوراق).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute