- ٣١ - قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ
- ٣٢ - عَسَى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ
- ٣٣ - كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ، فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة، وهو بِعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَابَلُوهُ بِالتَّكْذِيبِ والرد والمحاربة، ولهذا قال تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} أَيِ اخْتَبَرْنَاهُمْ {كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} وَهِيَ الْبُسْتَانُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعِ الثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ، {إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} أَيْ حَلَفُوا لَيَجُذُّنَّ ثَمَرَهَا لَيْلًا، لِئَلَّا يَعْلَمَ بِهِمْ فَقِيرٌ ولا سائل، وَلَا يَتَصَدَّقُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ، {وَلَا يَسْتَثْنُونَ} أَيْ فيما حلفوا به، {فطاف عليهم طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ} أَيْ أَصَابَتْهَا آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ، {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أي كالليل الأسود، وقال السدي: مِثْلَ الزَّرْعِ إِذَا حُصِدَ أَيْ هَشِيمًا يَبَسًا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالْمَعَاصِيَ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحْرَمُ بِهِ رِزْقًا قَدْ كان هيء لَهُ» ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كالصريم} (أخرجه ابن أبي حاتم). قَدْ حُرِمُوا خَيْرَ جَنَّتِهِمْ بِذَنْبِهِمْ، {فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ} أي وَقْتُ الصُّبْحِ نَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَذْهَبُوا إِلَى (الجذاذ) أي القطع، {أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ} أَيْ تُرِيدُونَ الصِرَامَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ حَرْثُهُمْ عِنَبًا، {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} أَيْ يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُون أَحَدًا كَلَامَهُمْ، ثُمَّ فسر عَالِمُ السِّرِّ وَالنَّجْوَى مَا كَانُوا يَتَخَافَتُونَ بِهِ، فقال تعالى: {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لَاّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ} أَيْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَا تمكنوا اليوم فقيراً يدخلها عليكم، قال تَعَالَى: {وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ} أَيْ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ، وقال مجاهد: على جد، وقال عكرمة: على غيظ، {قَادِرِينَ} أَيْ عَلَيْهَا فِيمَا يَزْعُمُونَ وَيَرُومُونَ، {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَآلُّونَ} أَيْ فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا وَأَشْرَفُوا عَلَيْهَا، وَهِيَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ، قَدِ اسْتَحَالَتْ عَنْ تلك النضارة والزهوة وَكَثْرَةِ الثِّمَارِ، إِلَى أَنْ صَارَتْ سَوْدَاءَ مُدْلَهِمَّةً لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ قَدْ أخطأوا الطَّرِيقَ، وَلِهَذَا قَالُوا: {إِنَّا لَضَآلُّونَ} أَيْ قَدْ سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها، ثم تيقنوا أَنَّهَا هِيَ فَقَالُوا {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أَيْ بل هي هذه، وَلَكِنْ نَحْنُ لَا حَظَّ لَنَا وَلَا نَصِيبَ.
وقال تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}، أي أعدلهم وخيرهم (قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة) {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ}! قَالَ مُجَاهِدٌ والسدي: أي لولا تستثنون، وَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ تَسْبِيحًا، وَقَالَ ابن جرير: هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ)، وَقِيلَ: {لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} أَيْ هَلَّا تُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَتَشْكُرُونَهُ على ما أعطاكم وأنعم به عليكم {وقالوا سُبْحَانَ رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أَتَوْا بِالطَّاعَةِ حَيْثُ لَا تَنْفَعُ، وَنَدِمُوا وَاعْتَرَفُوا حَيْثُ لَا يَنْجَعُ، وَلِهَذَا قَالُوا: {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ} أَيْ يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، عَلَى مَا كَانُوا أَصَرُّوا عَلَيْهِ مِنْ منع المساكين، فَمَا كَانَ جَوَابَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إِلَّا الِاعْتِرَافَ بِالْخَطِيئَةِ وَالذَّنْبِ، {قَالُواْ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} أي اعتدينا وبغينا وَجَاوَزْنَا الْحَدَّ حَتَّى أَصَابَنَا مَا أَصَابَنَا {عَسَى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} قيل: راغبون فِي بَذْلِهَا لَهُمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute