قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فكبِّر * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فاهجر * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * ولربك فاصبر} وقوله تعالى: {قُمْ فَأَنذِرْ} أَيْ شَمِّرْ عَنْ سَاقِ الْعَزْمِ وأنذر الناس {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي عظّم {وَثِيَابَكَ فطهِّر} سئل ابن عباس عن هذه الآية: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} فقال: لَا تَلْبَسْهَا عَلَى مَعْصِيَةٍ وَلَا عَلَى غَدْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ:
فَإَنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا ثَوْبَ فاجر * لبست ولا من غدرة أتقنع.
وفي رواية عنه: فطهر من الذنوب، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قَالَ: نَفْسَكَ لَيْسَ ثيابه، وفي رواية عنه: أي عملك فأصلح، وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أَيْ طَهِّرْهَا مِنَ المعاصي، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أَيِ اغْسِلْهَا بِالْمَاءِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يَتَطَهَّرُونَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَأَنْ يُطَهِّرَ ثِيَابَهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَدْ تَشْمَلُ الْآيَةُ جَمِيعَ ذَلِكَ مَعَ طَهَارَةِ القلب، فإن العرب تطلق الثياب عليه. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} وَقَلْبَكَ ونيتك فطهر.
وقوله تعالى: {والرجز فاهجر} قال ابن عباس: والرجز وهو الأصنام فاهجر (وهو قول مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد أن الرجز يراد به الأوثان)، وقال الضحّاك {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}: أَيِ اتْرُكِ الْمَعْصِيَةَ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَلَا يَلْزَمُ تَلَبُّسُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الكافرين والمنافقين}. وقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تعط العطية تلتمس أكثر منها، وقال الحسن البصري: لا تمتن بعملك على ربك تستكثره، واختاره ابن جرير، وقال مجاهد: لَا تَضْعُفْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ مِنَ الْخَيْرِ، قَالَ: تَمْنُنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَضْعُفُ، وَقَالَ ابْنُ زيد: لاتمنن بِالنُّبُوَّةِ عَلَى النَّاسِ تَسْتَكْثِرُهُمْ بِهَا تَأْخُذُ عَلَيْهِ عِوَضًا مِنَ الدُّنْيَا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَالْأَظْهَرُ القول الأول، والله أعلم. وقوله تعالى: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} أَيِ اجْعَلْ صَبْرَكَ عَلَى أَذَاهُمْ لِوَجْهِ رَبِّكَ عزَّ وجلَّ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ إبراهيم النخعي: اصبر عطيتك لله عزَّ وجلَّ. وقوله تَعَالَى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} قَالَ ابْنُ عباس ومجاهد: {النَّاقُورِ} الصُّورِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ كَهَيْئَةِ الْقَرْنِ، وفي الْحَدِيثِ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ؟» فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا» (أخرجه أحمد وابن أبي حاتم)، وقوله تعالى: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} أَيْ شَدِيدٌ، {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} أَيْ غَيْرُ سَهْلٍ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ (زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute