للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْآخِرَةَ

- ٥٤ - كَلَاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ

- ٥٥ - فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ

- ٥٦ - وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَاّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا أَنَّ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أَيْ معتقلة بعملها يوم القيامة {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} فَإِنَّهُمْ {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ} أَيْ يَسْأَلُونَ الْمُجْرِمِينَ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ، وَأُولَئِكَ فِي الدِّرْكَاتِ قَائِلِينَ لَهُمْ {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلِّين * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} أَيْ مَا عندنا رَبَّنَا وَلَا أَحْسَنَّا إِلَى خَلْقِهِ مِنْ جِنْسِنَا، {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} أَيْ نَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا نَعْلَمُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: كُلَّمَا غَوِيَ غاوٍ غَوَيْنَا مَعَهُ، {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} يعني الموت كقوله تعالى: {واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين}، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا هُوَ - يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ - فَقَدْ جاءه اليقين مِن رَّبِّهِ» قال تَعَالَى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} أَيْ مَنْ كان متصفاً بمثل هذه الصِّفَاتِ، فَإِنَّهُ لَا تَنْفَعُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفَاعَةُ شافع فيه، لأن الشفاعة إنما تنجح إِذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا، فَأَمَّا مَنْ وَافَى الله كافراً، فإن لَهُ النَّارُ لَا مَحَالَةَ خَالِدًا فِيهَا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} أي فما لهؤلاء الكفرة الذين قبلك عما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وَتُذَكِّرُهُمْ بِهِ مُعْرِضِينَ {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} أَيْ كَأَنَّهُمْ فِي نِفَارِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ، حُمُرٌ مِنْ حُمُرِ الْوَحْشِ إِذَا فَرَّتْ مِمَّنْ يُرِيدُ صَيْدَهَا من أسد (قاله أبو هريرة وابن عباس وزيد بن أسلم، وهو قول الجمهور) وقوله تعالى: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً} أَيْ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ من هؤلاء المشركين أَن يُنَزَّلَ عليه كتاب كما أنزل اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ مجاهد وغيره كقوله تَعَالَى: {وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى يؤتى مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رسل الله}، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ: يُرِيدُونَ أَنْ يُؤْتُوا براءة بغير عمل، فقوله تعالى: {كَلَاّ بَلْ لَاّ يَخَافُونَ الْآخِرَةَ} أَيْ إِنَّمَا أَفْسَدَهُمْ عَدَمُ إِيمَانِهِمْ بِهَا وَتَكْذِيبُهُمْ بِوُقُوعِهَا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {كَلَاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} أَيْ حَقًّا أَنَّ الْقُرْآنَ تَذْكِرَةٌ، {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَاّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} كَقَوْلِهِ: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلَاّ أَن يَشَآءَ الله}، وقوله تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} أَيْ هُوَ أَهْلٌ أَنْ يُخَافَ مِنْهُ، وَهُوَ أَهْلٌ أَنْ يغفر ذنب من تاب إليه وأناب. عن أنَس ابن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الْآيَةَ {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} وَقَالَ: «قَالَ رَبُّكُمْ أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى فَلَا يُجْعَلْ مَعِي إِلَهٌ، فَمَنِ اتَّقَى أَنْ يَجْعَلَ مَعِي إِلَهًا كَانَ أَهْلًا أَنْ أَغْفِرَ لَهُ» (رواه التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الحباب).

<<  <  ج: ص:  >  >>