هَذَا تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَيْفِيَّةِ تَلَقِّيهِ الْوَحْيِ مِنَ الْمَلَكِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُبَادِرُ إِلَى أَخْذِهِ، وَيُسَابِقُ الْمَلَكَ فِي قِرَاءَتِهِ، فأمره الله عزَّ وجلَّ أن يستمع له، وتكفل الله له أن يجمعه في صدره، وأن يبينه له وَيُوَضِّحَهُ، فَالْحَالَةُ الْأُولَى جَمْعُهُ فِي صَدْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ تِلَاوَتُهُ، وَالثَّالِثَةُ تَفْسِيرُهُ وَإِيضَاحُ مَعْنَاهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} أَيْ بالقرآن كما قال تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} الآية، ثم قال تعالى:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} أَيْ فِي صَدْرِكَ، {وَقُرْآنَهُ} أَيْ أَنْ تَقْرَأَهُ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} أَيْ إِذَا تلاه عليك الملك عن الله تعالى {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أَيْ فَاسْتَمَعْ لَهُ ثُمَّ اقْرَأْهُ كَمَا أَقْرَأَكَ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أَيْ بَعْدَ حِفْظِهِ وَتِلَاوَتِهِ نُبَيِّنُهُ لَكَ وَنُوَضِّحُهُ وَنُلْهِمُكَ معناه على ما أردنا وشرعنا. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شدة فكان يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ: جَمْعَهُ فِي صَدْرِكَ، ثُمَّ تقرأه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ} أي فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ كما أقرأه (أخرجه أحمد ورواه البخاري ومسلم بنحوه). وفي رواية للبخاري: فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قرأه كما وعده الله عزَّ وجلَّ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَلْقَى مِنْهُ شِدَّةٌ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ عُرِفَ
فِي تَحْرِيكِهِ شَفَتَيْهِ، يَتَلَقَّى أَوَّلَهُ وَيُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ، خَشْيَةَ أَنْ يَنْسَى أَوَّلَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ آخِرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}(أخرجه ابن أبي حاتم). وقال ابن عباس: كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه، فقال الله تَعَالَى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنا عَلَيْنَا جَمْعَهُ} أَنْ نَجْمَعَهُ لَكَ {وَقُرْآنَهُ} أَنْ نُقْرِئَكَ فَلَا تنسى، وقال ابن عباس {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} تَبْيِينَ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وكذا قال قتادة.