وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}؟ قَالَ السُّدِّيُّ: يعني لا يبعث، وقال مجاهد: يَعْنِي لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الآية تعم الحالتين، أَيْ لَيْسَ يُتْرَكُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مُهْمَلًا، لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى، وَلَا يُتْرَكُ فِي قبره سدى لايبعث، بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ مَنْهِيٌّ فِي الدُّنْيَا مَحْشُورٌ إِلَى اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا إثبات المعاد، ولهذا قال تعالى مستدلاً على الإعادة بالبداءة {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى} أَيْ أَمَا كَانَ الْإِنْسَانُ نُطْفَةً ضَعِيفَةً مِنْ مَاءٍ مهين {يمنى} أي يُرَاقُ مِنَ الْأَصْلَابِ فِي الْأَرْحَامِ {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} أَيْ فَصَارَ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ شُكِّلَ وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَصَارَ خَلْقًا آخَرَ سَوِيًّا، سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ ذَكَرًا أَوْ أُنثى بإذن الله وتقديره: ولهذا قال تعالى: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، ثُمَّ قَالَ تعالى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِي الْمَوْتَى}؟ أَيْ أَمَا هَذَا الَّذِي أَنْشَأَ هَذَا الْخَلْقَ السَّوِيَّ مِنْ هَذِهِ النُّطْفَةِ الضَّعِيفَةِ، بِقَادِرٍ عَلَى أَن يعيده كما بدأه؟ كقوله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عليه}، روى أبو داوود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} فَلْيَقُلْ: بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدَيْنِ؛ وَمَنْ قَرَأَ {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} فانتهى إلى قَوْلُهُ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَمَنْ قَرَأَ: {وَالْمُرْسَلَاتِ} فَبَلَغَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}؟ فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِاللَّهِ" (أخرجه أبو داود وأحمد، ورواه الترمذي بنحوه). وعن قتادة قوله تعالى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَهَا قَالَ: «سُبْحَانَكَ وبلى» (أخرجه ابن جرير). وكان ابن عباس إذا مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى}؟ قال: سبحانك فبلى (أخرجه ابن أبي حاتم).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute