صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ جِبْرِيلُ: يَا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحب مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فإنك ملاقيه" (أخرجه أبو داود الطيالسي)، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعِيدُ الضَّمِيرَ عَلَى قَوْلِهِ {رَبِّكَ} أَيْ فَمُلَاقٍ رَبَّكَ وَمَعْنَاهُ فَيُجَازِيكَ بِعَمَلِكَ ويكافئك على سعيك، قال ابن عباس: تَعْمَلُ عَمَلًا تَلْقَى اللَّهَ بِهِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، وَقَالَ قَتَادَةُ: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً} إِنَّ كَدْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ لَضَعِيفٌ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَكُونَ كَدْحُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ وَلَا قوة إلا بالله، ثم قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} أَيْ سَهْلًا بِلَا تَعْسِيرٍ أَيْ لَا يُحَقِّقُ عَلَيْهِ جَمِيعَ دَقَائِقِ أَعْمَالِهِ، فَإِنَّ من حوسب كذلك هلك لا محالة، روى الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ»، قَالَتْ، فَقُلْتُ: أفليس قال الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ بِالْحِسَابِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْعَرْضُ، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يوم القيامة عذب» (أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي). وروى ابن جرير، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مُعَذَّبًا»، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}؟ قَالَ: «ذَاكَ الْعَرْضُ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ»، وَقَالَ بِيَدِهِ عَلَى إصبعه كأنه ينكت (أخرجه الشيخان وابن جرير). وفي رواية عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ - أَوْ من حوسب - عذب، ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّمَا الْحِسَابُ الْيَسِيرُ عَرْضٌ عَلَى الله تعالى وهو يراهم" (رواه ابن جرير). وقوله تَعَالَى: {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} أَيْ وَيَرْجِعُ إلى أهله في الجنة {مَسْرُوراً} أي فرحاً مُغْتَبِطًا بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ تعملون أعمالاً لا تعرف، ويوشك الغائب أن يثوب إلى أهله فمسرور أو مكظوم (أخرجه الطبراني). وقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ) أَيْ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ تُثْنَى يَدُهُ إِلَى وَرَائِهِ، وَيُعْطَى كِتَابَهُ بِهَا كَذَلِكَ {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} أَيْ خَسَارًا وَهَلَاكًا {وَيَصْلَى سَعِيراً * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} أَيْ فَرِحًا لَا يفكر بالعواقب، وَلَا يَخَافُ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَعْقَبَهُ ذَلِكَ الْفَرَحُ الْيَسِيرُ الْحُزْنَ الطَّوِيلَ، {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} أَيْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلى الله، ولا يعيده بعد موته، قال ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا، والحَوْر هُوَ الرُّجُوعُ، قَالَ اللَّهُ: {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} يَعْنِي بَلَى سَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا بَدَأَهُ وَيُجَازِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا فَإِنَّهُ {كَانَ بِهِ بَصِيراً} أَيْ عَلِيمًا خَبِيرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute