للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وعبد الدرهم وعبد الخميصة (الخميصة: الثوب المخطط) إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش (قوله (فلا انتقش) قال الحافظ في الفتح: أي إذا أصابته الشوكة فلا وجد من يخرجها منه بالمنقاش) طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغَبَّرَةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ في الحراسة كان في الحراسة (قال ابن الجوزي: المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السمو والرفعة) وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لم يشفع". فهذا آخر مَا تَيَسَّرَ إِيرَادُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمَقَامِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى جَزِيلِ الْإِنْعَامِ، عَلَى تعاقب الأعوام والأيام.

تنبيه: قال ابن جرير: كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مَنْزِلَةِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ الله لَهُ بَعْدَهَا فَرَجَا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، وأن اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُوا وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. وروى الحافظ ابن عساكر عن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي سُكَيْنَةَ قَالَ: أَمْلَى عليَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ هَذِهِ الأبيات بطرسوس وأنشدها إِلَى الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ) فِي سَنَةِ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ:

يَا عَابِدَ الْحَرَمَيْنِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا * لَعَلِمْتَ أَنَّكَ فِي الْعِبَادَةِ تَلْعَبُ

مَنْ كَانَ يَخْضِبُ خَدَّهُ بِدُمُوعِهِ * فَنُحُورُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ

أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ فِي بَاطِلٍ * فَخُيُولُنَا يَوْمَ الصَّبِيحَةِ تتعب

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا * رهج السَّنَابِكِ وَالْغُبَارُ الْأَطْيَبُ

وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا * قَوْلٌ صَحِيحٌ صَادِقٌ لَا يَكْذِبُ

لَا يستوي غبَّار خيل الله في * أنف امرىء وَدُخَانِ نَارٍ تَلْهَبُ

هَذَا كِتَابُ اللَّهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا * لَيْسَ الشَّهِيدُ بِمَيِّتٍ لَا يَكْذِبُ

قَالَ: فَلَقِيتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ بِكِتَابِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَصَحَنِي، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ؟ قَالَ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاكْتُبْ هَذَا الْحَدِيثَ كِرَاءَ حَمْلِكَ كِتَابَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَيْنَا، وَأَمْلَى عَلَيَّ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يا رسول الله علِّمن عَمَلًا أَنَالُ بِهِ ثَوَابَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُصَلِّيَ فَلَا تَفْتُرُ، وَتَصُومَ فَلَا تُفْطِرُ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَضْعَفُ مِنْ أَنْ أَسْتَطِيعَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ طُوِّقت ذَلِكَ مَا بَلَغْتَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَرَسَ الْمُجَاهِدَ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ له بذلك الحسنات؟! وقوله تعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أَيْ فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أَيْ فِي الدُّنْيَا والآخرة.

انتهى تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، ونسأله الموت على الكتاب والسنة آمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>