جرير، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِذَا أَدْرَكْتَ ذَكَاةَ الْمَوْقُوذَةِ والمرتدية وَالنَّطِيحَةِ وَهِيَ تُحَرِّكُ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَكُلْهَا، وهكذا روي عن طاووس والحسن: أَنَّ المُذكاة مَتَى تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَةٍ تَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْحَيَاةِ فِيهَا بَعْدَ الذَّبْحِ فَهِيَ حَلَالٌ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الشَّاةِ الَّتِي يَخْرِقُ جَوْفَهَا السَّبُعُ حَتَّى تَخْرُجَ أَمْعَاؤُهَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ تُذَكِّي، أَيَّ شَيْءٍ يُذَكَّى مِنْهَا، وَقَالَ أَشْهَبُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الضَّبُعِ يَعْدُو عَلَى الْكَبْشِ فَيَدُقُّ ظَهْرَهُ أَتُرَى أَنْ يذكى قبل أن يموت فيؤكل؟ فقال: إن كان قد بلغ السحر؟؟ فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَلَ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَ أَطْرَافَهُ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، قِيلَ لَهُ: وَثَبَ عَلَيْهِ فَدَقَّ ظَهْرَهُ، فَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي، هَذَا لَا يَعِيشُ مِنْهُ، قِيلَ لَهُ: فَالذِّئْبُ يعدو على الشاة فيثقب بطنها ولا يثقب الْأَمْعَاءَ، فَقَالَ: إِذَا شَقَّ بَطْنَهَا فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَلَ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ وَظَاهِرُ الْآيَةِ عَامٌّ فِيمَا اسْتَثْنَاهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي بَلَغَ الْحَيَوَانُ فِيهَا إِلَى حَالَةٍ لَا يَعِيشُ بَعْدَهَا، فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مُخَصَّصٍ لِلْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ قَالَ، قُلْتُ: يا رسول الله إنا لاقوا الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدَى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ لَيْسَ السِّنُّ والظُّفُرُ. وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة"، وفي الحديث الذي رواه الدارقطني مرفوعاً، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَهُوَ أَصَحُّ: "أَلَا إِنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ. وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أحمد وأهل السنن عَنْ أَبِي الْعَشْرَاءِ الدَّارِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلَّا مِنَ اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ؟ فَقَالَ: «لَوْ طُعِنَتْ فِي فَخْذِهَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ولكنه محمول على ما لا يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} كَانَتِ النُّصُبُ حِجَارَةً حَوْلَ الْكَعْبَةِ، قَالَ ابْنُ جريج: وهي ثلثمائة وستون نصباً، كانت الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا يَذْبَحُونَ عِنْدَهَا وَيَنْضَحُونَ مَا أَقْبَلَ مِنْهَا إِلَى الْبَيْتِ بِدِمَاءِ تِلْكَ الذَّبَائِحِ، ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ هَذَا الصَّنِيعِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ هَذِهِ الذَّبَائِحِ الَّتِي فُعِلَتْ عِنْدَ النُّصُبِ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ يُذْكَرُ عَلَيْهَا اسْمُ الله فالذبح عِنْدَ النُّصُبِ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى هَذَا، لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيمُ مَا أُهِلَّ بِهِ لغير الله. وقوله تعالى: {وأن تسقسموا بِالْأَزْلَامِ} أَيْ حَرُمَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الِاسْتِقْسَامُ بالأزلام، واحدها زلم، وقد تفتح الزاء فَيُقَالُ: زَلم، وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا يَتَعَاطَوْنَ ذَلِكَ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قِدَاحٍ ثَلَاثَةٍ عَلَى أَحَدِهَا مَكْتُوبٌ أَفْعَلُ، وَعَلَى الْآخَرِ لَا تَفْعَلْ وَالثَّالِثُ غُفْلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: مَكْتُوبٌ عَلَى الْوَاحِدِ أَمَرَنِي ربي، على الْآخَرِ نَهَانِي رَبِّي، وَالثَّالِثُ غُفْلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ شيء، فإذا أجالها فطلع سهم الأمر فعله، أو النهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد، وَالِاسْتِقْسَامُ مَأْخُوذٌ مِنْ طَلَبِ الْقِسْمِ مِنْ هَذِهِ الأزلام، هكذا قرر ابن جرير، وعن ابن عباس {وَإِنَّ تسقسموا بِالْأَزْلَامِ} قَالَ: وَالْأَزْلَامُ قِدَاحٌ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا في الْأُمُورَ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: أَنَّ أَعْظَمَ أَصْنَامِ قُرَيْشٍ صَنَمٌ كَانَ يُقَالُ لَهُ هبل منصوب على بئر داخل الكبعة فيها توضع الهدايا وأموال الكعبة فيه، وكان عِنْدَهُ سَبْعَةُ أَزْلَامٍ مَكْتُوبٌ فِيهَا مَا يَتَحَاكَمُونَ فيه مما أشكل عليهم، فلما خَرَجَ لَهُمْ مِنْهَا رَجَعُوا إِلَيْهِ وَلَمْ يَعْدِلُوا عنه، وثبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَجَدَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ مُصَوَّرَيْنِ فِيهَا، وَفِي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ فَقَالَ: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا أَبَدًا»، وَفِي الصحيحين أَنَّ (سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ) لَمَّا خَرَجَ فِي طَلَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute