للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كاسب له؛ وقال الله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} أَيْ مَا كَسَبْتُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي سَبَبِ نزول هذه الآية الشريفة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، فقلت، فَجَاءَ النَّاسُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فَسَكَتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قال أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الْآيَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُلُ كَلْبَهُ وَسَمَّى فَأَمْسَكَ عَلَيْهِ فَلْيَأْكُلْ ما لم يأكل".

وقوله تعالى: {ملكبين} يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي {عَلَّمْتُمْ} فيكون حالاً من الفاعل، ويحتمل أين يَكُونَ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ وَهُوَ {الْجَوَارِحُ} أَيْ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ فِي حَالِ كَوْنِهِنَّ مكلبات للصيد، وذلك أن تقتنصه بمخالبها أو أظفاهرا، فيستدل بذلك والحالة هذه على أن الجارح إذا قتل الصيد بصدمته وبمخالبه وظفره إنه لا يحل له كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ اسْتَرْسَلَ، وَإِذَا أَشْلَاهُ اسْتَشْلَى، وَإِذَا أَخَذَ الصَّيْدَ أُمْسَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَجِيءَ إِلَيْهِ وَلَا يُمْسِكُهُ لِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا ام الله عَلَيْهِ} فمتى كان الجارح مُعَلَّمًا وَأَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ السم الله عليه وقت إِرْسَالِهِ، حَلَّ الصَّيْدُ وَإِنْ قَتَلَهُ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِمِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رسول اللَّهِ إِنِّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ وَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ، فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ» قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يُشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا، فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ». قُلْتُ: قُلْتُ لَهُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ؟ فَقَالَ: «إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضٍ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْهُ»، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: «فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ»، فَهَذَا دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنَ الصَّيْدِ يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا، كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ، وحكي عن طائفة من السلف أنهم قال لا يحرم مطلقاً.

وقوله تَعَالَى: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهِ} أي عند إرساله، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعدي ابن حَاتِمٍ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ»، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَإِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ»، وَلِهَذَا اشْتَرَطَ مَنِ اشترط من الأئمة، كالإمام أحمد رحمه الله فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إِرْسَالِ الْكَلْبِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا الْحَدِيثِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ. كَمَا قال السدي وغيره. وقال ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} يَقُولُ: إِذَا أَرْسَلْتَ جَارِحَكَ فَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ وَإِنْ نَسِيتَ فَلَا حَرَجَ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الأكل، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم رَبِيبَهُ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ: «سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بيمينك وكل مما يليك». وفي صحيح الباخاري عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ بلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ: «سَمُّوا اللَّهَ أَنْتُمْ وَكُلُوا» (حَدِيثٌ آخر): وقال الإمام أحمد عن عائشة: أن رسول

<<  <  ج: ص:  >  >>