للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن عباس وغيره: إنها الْكَبْشُ الَّذِي فُدِيَ بِهِ الذَّبِيحُ وَهُوَ مُنَاسِبٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ قَابِيلَ، كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وهو المشهور عن مجاهد أيضاً.

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} أَيْ مِمَّنِ اتَّقَى اللَّهَ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ. وفي الحديث عن معاذ بن جبل، قال: يحبس الناس في بقيع واحد ينادي مناد، أي الْمُتَّقُونَ؟ فَيَقُومُونَ فِي كَنَفٍ مِنَ الرَّحْمَنِ لَا يَحْتَجِبُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَا يَسْتَتِرُ، قُلْتُ: مَنِ الْمُتَّقُونَ؟ قَالَ: قَوْمٌ اتَّقَوُا الشِّرْكَ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وأخلصوا العبادة فيمرون إلى الجنة.

وقوله تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} يَقُولُ لَهُ أَخُوهُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ الذي تقبل الله قربانه لتقواه، حين توعده أخوه بالقتل عن غَيْرِ مَا ذَنْبٍ مِنْهُ إِلَيْهِ {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ} أَيْ لَا أُقَابِلُكَ عَلَى صَنِيعِكَ الْفَاسِدِ بِمِثْلِهِ، فَأَكُونُ أَنَا وَأَنْتَ سَوَاءٌ فِي الْخَطِيئَةِ {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} أَيْ مِنْ أَنْ أَصْنَعَ كَمَا تُرِيدُ أَنَّ تَصْنَعَ بَلْ أَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ وَلَكِنْ مَنْعَهُ التَّحَرُّجُ يَعْنِي الْوَرَعُ؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» وَقَالَ الإمام أحمد عن بشر بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ، عِنْدَ فِتْنَةِ عُثْمَانَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قالك «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي» قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بيتي فبسط يده إليَّ ليقتلني؟ فقال: «كن كابن آددم»، قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} لَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وقوله تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النار ورذلك جَزَآءُ الظالمين} قال ابن عباس ومجاهد: أَيْ بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِكَ الَّذِي عَلَيْكَ قَبْلَ ذلك، وقال آخرون: يعني بذلك أَنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِخَطِيئَتِي فَتَتَحَمَّلَ وِزْرَهَا وإثمك في قتلك إياي. عَنْ مُجَاهِدٍ {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيئَتِي وَدَمِي فَتَبُوءَ بِهِمَا جَمِيعًا. (قُلْتُ): وَقَدْ يَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ هَذَا الْقَوْلَ وَيَذْكُرُونَ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا لَا أَصْلَ لَهُ «مَا تَرَكَ الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ذَنْبٍ» وَقَدْ روى الحافط أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ حَدِيثًا يُشْبِهُ هَذَا وَلَكِنْ ليس به فقال عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَتْلُ الصَّبْرِ لَا يَمُرُّ بِذَنْبٍ إِلَّا مَحَاهُ»، وَهَذَا بِهَذَا لَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يُكَفِّرُ عَنِ الْمَقْتُولِ بِأَلَمِ الْقَتْلِ ذُنُوبَهُ، فَأَمَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْقَاتِلِ فَلَا، وَلَكِنْ قَدْ يَتَّفِقُ هَذَا فِي بَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَهُوَ الْغَالِبُ، فَإِنَّ الْمَقْتُولَ يُطَالِبُ الْقَاتِلَ فِي الْعَرَصَاتِ، فَيُؤْخَذُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، فَإِنْ نَفِدَتْ وَلَمْ يَسْتَوْفِ حَقَّهُ أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَقْتُولِ فَطُرِحَتْ عَلَى الْقَاتِلِ، فَرُبَّمَا لَا يَبْقَى عَلَى الْمَقْتُولِ خَطِيئَةٌ إِلَّا وُضِعَتْ عَلَى الْقَاتِلِ. وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَظَالِمِ كُلِّهَا، وَالْقَتْلُ مِنْ أَعْظَمِهَا وأشدها والله أعلم. فإن قيل: كيف أرد هَابِيلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَخِيهِ قَابِيلَ إِثْمُ قتله؟ والجواب أَنَّ هَابِيلَ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ لَا يقاتل أخاه إن قاتله بل عنه يده طَالِبًا إِنْ وَقَعَ قَتْلٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ أخيه لا منه. وَهَذَا الْكَلَامُ مُتَضَمِّنٌ مَوْعِظَةً لَهُ لَوِ اتَّعَظَ وزجراً لَوِ انْزَجَرَ، وَلِهَذَا قَالَ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} أَيْ تَتَحَمَّلُ إِثْمِي وَإِثْمَكَ {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ} وقال ابن عباس: خوَّفه بالنار فَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يَنْزَجِرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>