يَقُولُ تَعَالَى: {قُلْ} يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ فِي إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ {أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً} أَيْ أَطْلُبُ رَبًّا سواه، {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} يربيني وَيَحْفَظُنِي وَيَكْلَؤُنِي وَيُدَبِّرُ أَمْرِي، أَيْ لَا أَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ وَلَا أُنِيبُ إِلَّا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ رب كل شيء وملكيه وله الخلق والأمر، ففي هذه الآية الأمر بإخلاص التوكل كما تضمنت التي قبلها إخلاص العبادة لله وحده لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُقْرَنُ بِالْآخَرِ كثيراً في القرآن كقوله تعالى مرشداً لعباده أن يقولوا له: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نستعين}، وقوله: {فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}، وَقَوْلُهُ: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا}، وَقَوْلُهُ: {رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً} وأشباه ذلك من الآيات. وقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَاّ عَلَيْهَا، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَزَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِهِ وَعَدْلِهِ أَنَّ النُّفُوسَ إِنَّمَا تُجَازَى بِأَعْمَالِهَا إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ مِنْ خَطِيئَةِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَهَذَا مِنْ عَدْلِهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى}، وقوله تعالى: {فَلَا يَخَافُ ظُلْماً وَلَا هَضْماً} قال علماء التفسير أي فَلَا يُظْلَمُ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ وَلَا يُهْضَمُ بِأَنْ يُنْقَصَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَاّ أَصْحَابَ اليمين} معناه كل نفس مرتهنة بعملها السيء إِلَاّ أَصْحَابَ اليمين فإنه قد يعود بركة أعمالهم الصالحة على ذرياتهم وقراباتهم كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الطُّورِ: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} أي أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ شَارَكُوهُمْ فِي الْأَعْمَالِ، بَلْ فِي أصل الإيمان، وما ألتناهم أي نقصنا أُولَئِكَ السَّادَةَ الرُّفَعَاءَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا حَتَّى سَاوَيْنَاهُمْ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَنْقَصُ مِنْهُمْ مَنْزِلَةً، بل رفعهم تعالى إلى منزلة الْآبَاءِ بِبَرَكَةِ أَعْمَالِهِمْ بِفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ: {كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} أَيْ مِنْ شَرٍّ، وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أَيِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ فَسَتُعْرَضُونَ وَنُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَيُنْبِئُنَا وَإِيَّاكُمْ بِأَعْمَالِنَا وَأَعْمَالِكُمْ، وَمَا كُنَّا نَخْتَلِفُ فِيهِ فِي الدار الدنيا كقوله: {قُل لَاّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عما تعلمون * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بالحق وَهُوَ الفتاح العليم}.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute