{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} هذا في حق المنافقينن وَقَالَ فِي حَقِّ الْكَافِرِينَ: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} ولم يكونوا صماً ولا بكماً ولا عُمْيًا إِلَّا عَنِ الْهُدَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ}، وَقَالَ: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ التي فِي الصدور}، وَقَالَ: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ} أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ الْحَقَّ وَلَا يَعُونَهُ وَلَا يُبْصِرُونَ الْهُدَى، كَالْأَنْعَامِ السَّارِحَةِ الَّتِي لَا تَنْتَفِعُ بِهَذِهِ الحواس منها إلا في الذي يقيتها في ظاهر الحياة الدنيا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَاّ دُعَآءً وَنِدَآءً} أَيْ وَمَثَلُهُمْ فِي حَالِ دُعَائِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ كَمَثَلِ الْأَنْعَامِ إِذَا دَعَاهَا رَاعِيهَا لَا تَسْمَعُ إِلَّا صَوْتَهُ، وَلَا تَفْقَهُ مَا يَقُولُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي هَؤُلَاءِ: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} أَيْ من الدواب، لأنها قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أنس بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَفْقَهْ كَلَامَهُ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ؛ ولأنها لم تفعل مَا خُلِقَتْ لَهُ إِمَّا بِطَبْعِهَا وَإِمَّا بِتَسْخِيرِهَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا خُلِقَ لِيَعْبُدَ اللَّهَ وَيُوَحِّدَهُ فَكَفَرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ، وَلِهَذَا مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ مِنَ الْبَشَرِ كَانَ أَشْرَفَ مَنْ مِثْلِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي مَعَادِهِ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ مِنَ الْبَشَرِ كَانَتِ الدَّوَابُّ أَتَمَّ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute