الْحَمد لله الَّذِي أحيا علوم الدين فأينعت بعد اضمحلالها، وأعيا فهوم الملحدين عن دركها فرجعت بكلالها، أحمده وأستكين له من مظالم أنقضت الظهور بأثقالها؛ وأعبده وأستعين به لعصام الأمور وعضالها، وأشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شهادة وافية بحصول الدرجات وظلالها، واقية من حلول الدركات وأهوالها، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الذي أطلع به فجر الإيمان من ظلمة القلوب وضلالها، وأسمع به وقر الآذان وجلا به زين القلوب بصقالها، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَصَحبه وسلم صلاة لا قاطع لاتصالها. (وبعد) فلما وفق الله تعالى لإكمال الكلام على أحاديث «إحْيَاء عُلُوم الدَّين» في سنة إحدى وخمسين تعذر الوقوف على بعض أحاديثه فأخرت تبييضه إلى سنة ستين فظفرت بكثير مما عزب عني علمه ثم شرعت في تبييضه في مصنف متوسط حجمه وأنا مع ذلك متباطئ في إكماله غير معترض لتركه وإهماله إلى أن ظفرت بأكثر ما كنت لم أَقف عَلَيْهِ وتكرّر السؤال من جماعة في إكماله فأجبت وبادرت إليه ولكني اختصرته في غاية الاختصار ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار فاقتصرت فيه على ذكر طرف الحديث وصحابيه ومخرجه وبيان صحته أو حسنه أو ضعف مخرجه فَإِن ذَلِك هُوَ المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة وأبين مَا لَيْسَ لَهُ أصل في كتب الأصول والله أسأل أن ينفع به إنه خير مسؤول.
فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزوه إليه وإلا عزوته إلى من خرجه من بقية الستة وحيث كان في أحد الستة لم أعزه إلى غيرها إلا لغرض صحيح بأن يكون في كتاب التزم مخرجه الصحة أو يكون أقرب إلى لفظه في الإحياء وحيث كرر المصنف ذكر الحديث، فإن كان في باب واحد منه اكتفيت بذكره أول مرة وربما ذكرته فيه ثانياً وثالثاً لغرض أو لذهول عن كونه تقدم، وإن كرره في باب آخر ذكرته ونبهت على أنه قد تقدم وربما لم أنبه على تقدمه لذهول عنه، وحيث عزوت الحديث لمن خرجه من الأئمة فلا أريد ذلك اللفظ بعينه بل قد يكون بلفظه وقد يكون بمعناه أو باختلاف على قاعدة المستخرجات، وحيث لم أجد ذلك الحديث ذكرت ما يغني عنه غالباً وربما لم أذكره. وسميته:
المغني عن حمل الأسفار في الأسفار: في تخريج ما في الإحياء من الأخبار
جعله الله خالصاً لوجهه الكريم ووسيلة إلى النعيم المقيم.