للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: أَنَّ الْعَقْدَ الصَّادِرَ إذَا كَانَ صَحِيحًا بِاتِّفَاقٍ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي مُوجِبِهِ فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ عِنْدَ غَيْرِ الَّذِي حَكَمَ بِالصِّحَّةِ، وَلَوْ حَكَمَ فِيهِ الْأَوَّلُ بِالْمُوجِبِ امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ الثَّانِي، مِثَالُ ذَلِكَ التَّدْبِيرُ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقٍ، وَمُوجِبُهُ إذَا كَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُنِعَ الْبَيْعُ، فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ بَيْعِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَلَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمُوجِبِ التَّدْبِيرِ امْتَنَعَ الْبَيْعُ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَرَى نَقْضَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ، وَهَذَا النَّقْضُ حِينَئِذٍ لِمُدْرَكٍ آخَرَ.

الثَّالِثُ أَنَّ كُلَّ دَعْوَةٍ كَانَ الْمَطْلُوبُ فِيهَا إلْزَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ قَامَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ فِيهَا بِالْإِلْزَامِ هُوَ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ، وَلَا يَكُونُ بِالصِّحَّةِ، وَلَكِنْ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الزَّانِي بِمُوجِبِ زِنَاهُ وَعَلَى السَّارِقِ بِمُوجِبِ سَرِقَتِهِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ بِحَبْسِ الْمِدْيَانِ حُكْمٌ بِالْمُوجِبِ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْحَبْسِ، إلَّا إذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَطُلِبَ فِيهِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ بِطَرِيقِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِالصِّحَّةِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَبْسِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهَذَا ضَابِطٌ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ لَهُ.

الْخَامِسُ: أَنَّ الْحُكْمَ بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَكُونُ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ الْمُوَافِقِ، وَكَذَا عِنْدَ الْمُخَالِفِ الَّذِي يُجِيزُ التَّنْفِيذَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَالْحُكْمُ بِمُوجِبِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَكُونُ حُكْمًا بِالْإِلْزَامِ بِالْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَيَكُونُ حُكْمًا بِالْإِلْزَامِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَحْكُومِ بِهِ، فَيَجُوزُ مِنْ الْمُوَافِقِ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ الْمُخَالِفِ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ بِذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْحُكْمِ الثَّانِي، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمُخَالِفِ.

تَنْبِيهٌ. قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ مُخَالِفٍ لِمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ؛ لِأَنَّ التَّنْفِيذَ عِنْدَهُ لَيْسَ هُوَ إنْشَاءُ حُكْمٍ إلَّا أَنْ يُنْشِئَ فِيهِ حُكْمًا وَسَيَأْتِي مَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>