للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا الْمَرْءُ إلَّا اثْنَانِ عَقْلٌ وَمَنْطِقٌ ... فَمَنْ فَاتَهُ هَذَا وَهَذَا فَقَدْ دَمَرْ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَدْ مَثَّلْت) أَيْ بَيَّنْت (لَك) ، الْخِطَابُ لِمُحْرِزٍ وَالْإِشَارَةُ فِي (مِنْ ذَلِكَ) عَائِدَةٌ عَلَى السُّؤَالِ (مَا) أَيْ الَّذِي (يَنْتَفِعُونَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِحِفْظِهِ وَيَشْرُفُونَ بِعِلْمِهِ وَيَسْعَدُونَ بِاعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ) الْأَفْعَالُ الثَّلَاثَةُ بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ، وَيَجُوزُ فِي الثَّالِثِ ضَمُّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ رَابِطَةٌ لِلْجُمَلِ الثَّلَاثِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَنْتَفِعُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَشْرُفُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَسْعَدُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ النَّفْعِ الْحِفْظَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ حِفْظِهِ، وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ الشَّرَفِ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الشَّرَفُ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْأَقْرَانِ إذْ هُوَ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ ارْتِكَابِ الْمَشَقَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ.

[قَوْلُهُ: إذَا كَلَّ] أَيْ عَيَّ وَهُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ: بَعْدَ الشَّيْبِ، أَيْ لَا بَعْدَ الشَّيْبِ مُطْلَقًا بَلْ بِقَيْدِ كِلَالِ قَلْبِ الْمَرْءِ إلَخْ. أَوْ وَصْفٌ كَاشِفٌ لِلشَّيْبِ أَيْ الشَّيْبُ الْكَائِنُ إذَا كَلَّ إلَخْ وَقَوْلُهُ: عَقْلٌ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ إذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْطِقٌ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ بِاللُّزُومِ أَيْ مِنْ حَيْثُ أَنْ كُلًّا لَهُمَا يَلْزَمُهُ فَوَاتُ النُّطْقِ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ فَاتَهُ هَذَا وَهَذَا] أَيْ مَجْمُوعُهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إذَا كَلَّ إلَخْ، وَيَحْتَمِلُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ هَذَا أَوْ هَذَا.

[قَوْلُهُ: فَقَدْ دَمَّرَ] أَيْ هَلَكَ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: أَيْ بَيَّنْت إلَخْ] أَيْ جَعَلْت لَك الْمَسَائِلَ وَاضِحَةً كَالْمِثَالِ. [قَوْلُهُ: عَائِدَةٌ عَلَى السُّؤَالِ] وَعَلَيْهِ فَمِنْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ بَيَّنْت لَك مَا ذُكِرَ مِنْ أَجْلِ سُؤَالِك أَوْ أَنَّ " مِنْ " بَيَانٌ " لِمَا " وَالسُّؤَالُ بِمَعْنَى الْمَسْئُولِ. [قَوْلُهُ: بِحِفْظِهِ] قَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ إلَخْ أَنَّ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَأَنَّ مُتَعَلِّقَ يَنْتَفِعُونَ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ بِسَبَبِ حِفْظِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ

١ -

[قَوْلُهُ: وَيَشْرُفُونَ] بِضَمِّ الرَّاءِ وَمَاضِيهِ شَرُفَ بِضَمِّ الرَّاءِ إذَا نَالَ الْعُلُوَّ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِعِلْمِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْضًا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي.

[قَوْلُهُ: وَيَسْعَدُونَ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ السَّعَادَةَ إمَّا دُنْيَوِيَّةٌ وَإِمَّا أُخْرَوِيَّةٌ، فَالدُّنْيَوِيَّةُ امْتِثَالُ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمَنْهِيَّاتِ، وَالْأُخْرَوِيَّةُ التَّمَتُّعُ فِي الْجَنَّةِ إذْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ. فَقَوْلُهُ: بِاعْتِقَادِهِ إلَخْ الْبَاءُ فِيهِ لِلتَّصْوِيرِ بِاعْتِبَارِ السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَلِلسَّبَبِيَّةِ بِاعْتِبَارِ السَّعَادَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ.

تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي قَوْلِهِ مَا يَنْتَفِعُونَ إنْ أُوقِعَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَسْئُولَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالِاخْتِصَارِ كَمَا يُفِيدُهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَتْنِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِعِلْمِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِعِلْمِ مَدْلُولِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: بِاعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَقَوْلُهُ: بِاعْتِقَادِهِ نَاظِرٌ لِأُصُولِ الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: بِالْعَمَلِ نَاظِرٌ لِلْفُرُوعِ وَإِنْ أُوقِعَتْ عَلَى جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الْمَدْلُولَةِ لِلْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَحْتَاجُ لِحَذْفِ مُضَافٍ فِي قَوْلِهِ بِحِفْظِهِ، أَيْ حِفْظِ دَالِّهِ وَلَا يَحْتَاجُ لَهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ.

[قَوْلُهُ: ضَمُّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ] أَيْ مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ اللَّهُ السَّعَادَةَ بِاعْتِقَادِهِ وَتَكَفَّلَ بِتَوْضِيحِ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ، فَفِيهِ سَعِدَ فُلَانٌ يَسْعَدُ مِنْ بَابِ تَعِبَ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إلَى أَنْ قَالَ: وَيُعَدَّى بِالْحَرَكَةِ فِي لُغَةٍ، فَيُقَالُ أَسْعَدَهُ اللَّهُ يُسْعِدُهُ مِنْ بَابِ نَفَعَ فَهُوَ مَسْعُودٌ، وَقُرِئَ فِي السَّبْعَةِ بِهَذِهِ اللُّغَةِ فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ إلَخْ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: أَسْعَدَهُ اللَّهُ اهـ.

[قَوْلُهُ: رَابِطَةٌ لِلْجُمَلِ الثَّلَاثِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْجُمَلِ الثَّلَاثِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَمُرَادُهُ أَنَّهَا مَحْذُوفَةٌ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالشَّيْءِ إلَخْ] أَيْ كَالْجُمْلَةِ الْمُخْتَصَرَةِ الْمَسْئُولَةِ أَيْ الِانْتِفَاعُ الْكَامِلُ، وَإِلَّا فَقَدْ يَنْتَفِعُ بِالرِّسَالَةِ مَنْ لَمْ يَحْفَظْهَا. [قَوْلُهُ: وَجُعِلَ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ الشَّرَفَ] الْمُنَاسِبُ الَّذِي قَبْلَهُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ: وَجُعِلَ مُتَعَلِّقُ الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ بِهِ] أَيْ بِسَبَبِهِ. [قَوْلُهُ: يَحْصُلُ الشَّرَفُ] أَيْ الْعُلُوُّ [قَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا إلَخْ] قَضِيَّتُهُ حَصْرُ الشَّرَفِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الشَّرَفُ أَيْضًا فِي الْآخِرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَقْرَانِ] مُرَادُهُ بِهِ مَنْ يُسَاوِيهِ فِي السِّنِّ أَوْ فِي أَوْصَافٍ غَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>