للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهَا تَمَّ قِسْمُ مَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى.

وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى (الْعَالِمُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَلَى صِفَةٍ تَنْكَشِفُ بِهَا الْمَعْلُومَاتُ الْمَوْجُودَاتُ وَالْمَعْدُومَاتُ وَمِنْهَا (الْخَبِيرُ) بِمَعْنَى الْمُطَّلِعُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُشَاهَدِ لَهُ، فَهُوَ تَعَالَى مُشَاهِدٌ لِمَا غَابَ وَلِمَا حَضَرَ مُطَّلِعٌ عَلَى مَا ظَهَرَ وَاسْتَتَرَ وَمِنْهَا (الْمُدَبِّرُ) قَالَ تَعَالَى {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} [السجدة: ٥] وَأَصْلُ التَّدْبِيرِ النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ لِتَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَصْلَحِ، هَذَا فِي صِفَاتِ الْبَشَرِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْبَارِي تَعَالَى

ــ

[حاشية العدوي]

الْإِشَارَةِ، أَنَّ مَا سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ لَاحَظَ فِيهِ الْآيَةَ لِكَمَالِ الْبَرَكَةِ أَوْ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ: إنَّ آخِرَهَا خَالِدُونَ أَيْ وَهُنَا، انْتَهَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْضَهَا لَا كُلَّهَا كَمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ.

[قَوْلُهُ: حَاوِيَةً لِخَمْسِينَ بَرَكَةً] مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَيَقْتَضِي الْقِسْمَةَ عَلَى الْآحَادِ، أَيْ فَلِكُلِّ كَلِمَةٍ بَرَكَةٌ. ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ الْحَسَنَةَ، وَنُكْتَةُ التَّعْبِيرِ بِالْبَرَكَةِ الْإِشَارَةُ إلَى عِظَمِهَا، حَيْثُ عَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِاسْمِهَا الْمَعْهُودِ إظْهَارًا لِمَزِيَّةِ تِلْكَ الْآيَةِ، وَالْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَاوِيَةً أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْبَرَكَةِ مَنْفَعَةً تَلْحَقُهُ بِهَذِهِ الدَّارِ فِي مَالِهِ أَوْ عَمَلِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَفْصِيلُهَا مُفَوَّضٌ إلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ.

[قَوْلُهُ: مَا يَسْتَحِيلُ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ قِسْمٌ هُوَ مَا يَسْتَحِيلُ.

أَيْ ثُمَّ طَفِقَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا مَا سَيَأْتِي مِنْ الْأَسْمَاءِ.

[قَوْلُهُ: أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْأَوْصَافَ أَعْنِي الْمُشْتَقَّاتِ الدَّالَّةَ عَلَى ذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِمَعْنًى.

[قَوْلُهُ: أَنَّهُ عَلَى صِفَةٍ] أَيْ ذُو صِفَةٍ وَنُكْتَةُ هَذَا التَّعْبِيرِ الْإِشَارَةُ إلَى تَمَكُّنِ الْمَوْلَى مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ، فَيَكُونُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى قُوَّةِ الرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَالِمٌ بِذَاتِهِ.

[قَوْلُهُ: يَنْكَشِفُ بِهَا الْمَعْلُومَاتُ] فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ مِنْ حَيْثُ تَعْبِيرُهُ بِالِانْكِشَافِ الْمُوجِبِ لِسَبْقِ الْخَفَاءِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ، مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَعْلُومَةً لِلذَّاتِ الْعَلِيَّةِ بِذَلِكَ الْعِلْمِ، الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: الْمَعْلُومَاتُ فِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ، أَيْ الَّتِي تَصِيرُ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً إلَّا بَعْدَ الْكَشْفِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: الْمَوْجُودَاتُ] أَيْ وَاجِبَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ وَيَدْخُلُ فِي الْمَوْجُودَاتِ الْوَاجِبَةِ عِلْمُهُ فَيَعْلَمُ بِعِلْمِهِ أَنَّ لَهُ عِلْمًا وَقَوْله: الْمَعْلُومَاتُ أَيْ مُمْكِنَةٌ أَوْ مُسْتَحِيلَةٌ وَلِلْعِلْمِ تَعَلُّقٌ تَنْجِيزِيٌّ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الصُّلُوحِيُّ؛ لِأَنَّ الصَّالِحَ لِلتَّعَلُّقِ بِالْفِعْلِ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْفِعْلِ، فَيُوهِمُ سَبْقَ الْجَهْلِ.

[قَوْلُهُ: الْمَشَاهِدِ لَهُ] تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ الْمُطَّلِعِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْخَبِيرُ أَخَصَّ مِنْ الْعَالِمِ فَكُلُّ خَبِيرٍ عَالِمٌ وَلَا عَكْسَ كَالْوَاحِدِ مِنَّا يَرَى مَكَّةَ فَهُوَ عَالِمٌ بِهَا وَخَبِيرٌ، أَيْ فِي وَقْتِ الرُّؤْيَةِ وَإِذَا تَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ جَاءَهُ الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ بِوُجُودِهَا وَلَمْ يَرَهَا فَهُوَ عَالِمٌ وَلَيْسَ بِخَبِيرٍ.

[قَوْلُهُ: لِمَا غَابَ] أَيْ عَنَّا أَيْ مَعْشَرَ الْآدَمِيِّينَ كَاَلَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِينَ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ مَعْشَرَ الْمَخْلُوقِينَ، مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ.

[قَوْلُهُ: وَلَمَّا حَضَرَ] أَيْ لَنَا وَهُوَ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَنُو آدَمَ، أَوْ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمَخْلُوقَاتُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: مُطَّلِعٌ] هُوَ بِمَعْنَى، مُشَاهِدٌ وَقَوْلُهُ: مَا ظَهَرَ هُوَ عَيْنُ مَا حَضَرَ، وَقَوْلُهُ: وَاسْتَتَرَ هُوَ عَيْنُ مَا غَابَ فَقَدْ تَفَنَّنَ فِي التَّعْبِيرِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ.

[قَوْلُهُ: وَاسْتَتَرَ] عِبَارَةٌ عَمَّا غَابَ، [قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى {يُدَبِّرُ} [السجدة: ٥] إلَخْ] أَتَى بِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مِنْهَا الْمُدَبِّرَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ وُرُودُ الْفِعْلِ وَلَا الْمَصْدَرِ، نَعَمْ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ اسْمُ الْمُدَبِّرُ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

[قَوْلُهُ: وَأَصْلُ التَّدْبِيرِ] أَيْ الْمَعْنَى الْمَعْنَوِيِّ اللُّغَوِيِّ لَهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَامُوسُ، [قَوْلُهُ: فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ] مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ، فَتَقْتَضِي الْقِسْمَةَ عَلَى الْآحَادِ، أَيْ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهِ الْأَصْلَحِ] أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ الصَّلَاحِ، إذْ الْأَصْلَحُ مُقَابِلُ الصَّلَاحِ، أَيْ أَوْ لِتُوقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الصَّالِحِ، لَا عَلَى الْوَجْهِ الْفَاسِدِ فَفِي الْعِبَارَةِ قُصُورٌ.

[قَوْلُهُ: هَذَا فِي صِفَاتِ الْبَشَرِ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ صِفَاتٍ، وَيَقُولُ هَذَا فِي حَقِّ الْبَشَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ لِلْجِنِّ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>