وَيُسَمَّى نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَمِنْ صُوَرِهِ مَا إذَا قَالَ: الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي مَا أَفْعَلُ كَذَا. (فَهُوَ مُخَيَّرٌ) عَلَى أَظْهَرْ الْأَقْوَالِ (بَيْنَ) فِعْلِ (الصَّدَقَةِ) الَّتِي الْتَزَمَهَا أَوْ الْعِتْقِ الَّذِي الْتَزَمَهُ. (وَ) بَيْنَ فِعْلِ (الْكَفَّارَةِ) عَنْ الْيَمِينِ الْآتِي بَيَانُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَهِيَ لَا تَكْفِي فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ بِالِاتِّفَاقِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ كَفَّارَةُ نَذْرٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ فِي الْأُولَى وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَلَغْوٌ أَوْ فَعَلَيَّ نَذْرٌ صَحَّ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ قُرْبَةٍ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ.
(وَلَا شَيْءَ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] أَيْ قَصَدْتُمْ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] ، وَلَغْوُ الْيَمِينِ هُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: " قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، كَأَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْمُرَادُ بِتَفْسِيرِ لَغْوِ الْيَمِينِ بِلَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ عَلَى الْبَلَدِ لَا عَلَى الْجَمْعِ. أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَانَتْ الْأُولَى لَغْوًا وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةً لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ فَصَارَتْ مَقْصُودَةً. وَلَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا إذَا دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ لِي وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.
(وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا) مُعَيَّنًا كَأَنْ لَا يَبِيعَ أَوْ لَا يَشْتَرِيَ (فَفَعَلَ) شَيْئًا (غَيْرَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِأَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ فَإِنْ كَانَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ) وَضَابِطُهُ: أَنْ يُعَلِّقَ الْقُرْبَةَ بِحَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ كَقَوْلِهِ فِي الْحَثِّ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَفِي الْمَنْعِ إنْ فَعَلْتُهُ فَعَلَيَّ ذَلِكَ وَفِي تَحْقِيقِ الْخَبَرِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُهُ فَعَلَيَّ عِتْقٌ بِخِلَافِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ. فَإِنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ أَوْ مُعَلَّقَةٍ عَلَى تَجْدِيدِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ مَحْبُوبٌ وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ مَبْغُوضٌ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) أَيْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي الصُّورَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ) ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةٌ) وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَلَفَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ إلَخْ كَأَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى عَمْرٍو وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي عَدَمِ قَصْدِهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ بِكَذِبِهِ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ ظَاهِرًا كَمَا لَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ مُطْلَقًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ سم. قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي) ضَعَّفَهُ م ر ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا لَوْ دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ لِي فَقَامَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ فَوَاضِحٌ حِنْثُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْيَمِينَ فَعَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ بَلْ الشَّفَاعَةَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا) اُنْظُرْ حِكْمَةَ التَّنْبِيهِ عَلَى هَذِهِ مَعَ أَنَّهَا مَعْلُومَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ. وَقَدْ يُقَالُ: ذَكَرَهَا تَوْطِئَةً لِمَفْهُومِهَا فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ الْفِعْلِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ.
قَوْلُهُ: (بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ) الْمُرَادُ أَنَّهُ بَاعَ مَالَ مُوَلِّيهِ أَوْ مُوَكِّلِهِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) وَحُكْمُ الْيَمِينِ بَاقٍ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَامِدًا حَنِثَ وَإِنْ قَالَ لَا أُفَارِقُ غَرِيمِي أَيْ حَتَّى يُوفِيَنِي فَهَرَبَ مِنْهُ أَيْ قَبْلَ الْوَفَاءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ وَسَوَاءٌ أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ أَوْ إمْسَاكُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ أَمْ لَا فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ فَارَقَهُ بِإِذْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِابْنِ كَجٍّ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّيْخِ وَالْمَاوَرْدِيِّ حَيْثُ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْهَرَبِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا صَوَّرَهَا بِالْفِرَارِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ هُنَا مَا يَقْطَعُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ. اهـ. شَرْحُ التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ.