للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ كَمَالِهِ قُبِلَتْ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي خَادِمِهِ قَالَ: وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ شُهُودِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَيْضًا.

(وَلِلْعَدَالَةِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (خَمْسُ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهَا. (وَ) الثَّانِي أَنْ يَكُونَ (غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْ الصَّغَائِرِ) مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ؛ وَفَسَّرَ جَمَاعَةٌ الْكَبِيرَةَ بِأَنَّهَا مَا لَحِقَ صَاحِبَهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَقِيلَ هِيَ الْمَعْصِيَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ وَذُكِرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا أَمْيَلُ وَأَنَّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ انْتَهَى لِأَنَّهُمْ عَدُّوا الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَنَحْوَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا حَدَّ فِيهَا وَقَالَ الْإِمَامُ هِيَ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ انْتَهَى، وَالْمُرَادُ بِقَرِينَةِ التَّعَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ الْكَبَائِرِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْبِدَعُ، فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ هَذَا ضَبْطُهَا بِالْحَدِّ، وَأَمَّا بِالْعَدِّ فَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إنَّهَا إلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ أَيْ بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي فَمِنْ الصَّغَائِرِ وَلَا بَأْسَ بِعَدِّ شَيْءٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ. فَمِنْ الْأَوَّلِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ أَوْ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِلَا عُذْرٍ، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ وَتَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ وَالْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَأَمْنُ مَكْرِهِ تَعَالَى، وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالنَّمِيمَةُ. وَأَمَّا الْغِيبَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (أَوْ صَبِيٌّ) أَيْ أَوْ رَقِيقٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ وَهُوَ سَيِّدٌ أَوْ عَدُوٌّ أَوْ خَارِمُ الْمُرُوءَةِ أَوْ فَاسِقٌ فَرُدَّتْ، ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ الْمُعَادَةُ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ غَيْرُهَا مِنْهُ بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ سَنَةٍ، بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُظَنُّ فِيهَا صِدْقُ تَوْبَةِ الْفَاسِقِ، وَانْصِلَاحُ حَالِ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ، وَأَمَّا السَّيِّدُ أَوْ الْعَدُوُّ مَتَى زَالَ الْمَانِعُ وَشَهِدَ قُبِلَتْ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ.

قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُصِرٍّ) : أَيْ أَوْ مُصِرًّا أَوْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، كَمَا يَأْتِي وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِأَنْ يَرْتَكِبَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ مِنْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةٌ: الْإِصْرَارُ قِيلَ هُوَ الدَّوَامُ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ الْإِكْثَارُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: لَكِنَّهُ فِي بَابِ الْعَضَلِ. قَالَ: إنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى النَّوْعِ الْوَاحِدِ كَبِيرَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَعِيدٌ شَدِيدٌ) : حَذَفَ بَعْضُهُمْ تَقْيِيدَ الْوَعِيدِ بِكَوْنِهِ شَدِيدًا وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ كُلَّ وَعِيدٍ مِنْ اللَّهِ لَا يَكُونُ إلَّا شَدِيدًا فَهُوَ مِنْ الْوَصْفِ اللَّازِمِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ.

قَوْلُهُ: (تُؤْذِنُ) أَيْ تُعْلِمُ. وَالِاكْتِرَاثُ الْمُبَالَاةُ وَالِاعْتِنَاءُ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ يُقَالُ مَا أَكْتَرِثُ بِهِ أَيْ مَا أُبَالِي بِهِ اهـ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا) لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ) . ظَاهِرُهُ: وَإِنْ فَسَّقْنَاهُمْ وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ الْآتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: سَلِيمَ السَّرِيرَةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا فُسِّقَ بِبِدْعَتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا يَأْتِي عَلَى مَا إذَا كَانَ لَيْسَ لَهُ شُبْهَةٌ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ أَيْ تَأْوِيلٌ قَوْلُهُ: (أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا) : لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَفْرَادُ أَيْ كَالرِّبَا فَإِنَّهُ نَوْعٌ تَحْتَهُ أَصْنَافٌ رِبَا الْفَضْلِ وَالْيَدِ وَالنَّسَاءِ وَالْقَرْضِ، وَالزِّنَا نَوْعٌ وَتَحْتَهُ أَصْنَافٌ زِنَا مُحْصَنٍ وَغَيْرِهِ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ.

قَوْلُهُ: (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) : أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ يَكُونَ مُنْكَرًا عِنْدَ الْفَاعِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَ النَّاهِي وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمَنَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَأَنْ لَا يَخَافَ الْوُقُوعَ فِي مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاهِي مُمْتَثِلًا لِلنَّهْيِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ) : أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا إذَا كَانَ حَافِظًا لَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَوْلُهُ: (وَأَمْنُ مَكْرِهِ) : أَيْ خَوْفِهِ مِنْ مُجَازَاةِ اللَّهِ لَهُ. قَالَ الْمَحَلِّيُّ: فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَمْنُ مَكْرِ اللَّهِ يَحْصُلُ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي، وَالِاتِّكَالِ عَلَى الْعَفْوِ اهـ. وَقَوْلُهُ: بِالِاسْتِرْسَالِ إلَخْ هَذَا تَقْيِيدٌ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ وَجَدَ الْأَمْنَ مَعَ الطَّاعَةِ كَانَ كَبِيرَةً أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) : وَلَوْ كَافِرَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ بِأَنْ يُؤْذِيَهُمَا أَذًى لَيْسَ بِالْهَيِّنِ وَمِنْهُ التَّأْفِيفُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . وَأَنَّهُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ضَمَّهُ الْقَبْرُ ضَمَّةً حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا فِي جَهَنَّمَ عَاقٌّ لِوَالِدَيْهِ وَالزَّانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>