مَا فَوْقَ الْإِزَارِ»
وَخَصَّ بِمَفْهُومِهِ عُمُومَ خَبَرِ مُسْلِمٍ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» وَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ يَدْعُو إلَى الْجِمَاعِ فَحُرِّمَ لِخَبَرِ: «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ» بِالْكَسْرِ أَفْصَحُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي رِيَاضِهِ: «أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَخُرِّجَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ هُمَا وَبَاقِي الْجَسَدِ فَلَا يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَبِالْمُبَاشَرَةِ الِاسْتِمْتَاعُ بِالنَّظَرِ، وَلَوْ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ إذْ لَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ مَسَّهَا لِلذَّكَرِ وَنَحْوَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةُ حُكْمُهُ حُكْمُ تَمَتُّعَاتِهِ بِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ انْتَهَى. وَالصَّوَابُ فِي نَظْمِ الْقِيَاسِ أَنْ تَقُولَ كُلُّ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ نَمْنَعُهَا أَنْ تَمَسَّهُ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْمِسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ سَائِرَ بَدَنِهَا إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ لَمْسِهِ بِمَا بَيْنَهُمَا، وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِزَمَنِ إمْكَانِهِ ارْتَفَعَ عَنْهَا سُقُوطُ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَحِلَّ بِمَا حُرِّمَ بِهِ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ غَيْرُ الصَّوْمِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْحَيْضِ لَا بِالْحَدَثِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْجُنُبِ وَقَدْ زَالَ، وَغَيْرُ الطَّلَاقِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ، وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَغَيْرُ الطُّهْرِ. فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِهِ، وَمَا عَدَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَإِنَّ وَطْءَ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ يُورِثُ الْجُذَامَ فِي الْوَلَدِ. وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِغُلَامٍ أَسْوَدَ فَنَفَاهُ عَنْهُ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَظَرَ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ وَطِئْتهَا، وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَلْحَقَهُ بِهِ، وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ سَوَّدَ وَجْهَ ابْنَيْكُمَا عُقُوبَةً لَكُمَا. اهـ. نَسَّابَةٌ.
قَوْلُهُ: (فِي الْمَحِيضِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ زَمَنَ الْحَيْضِ فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَلَا يَشْمَلُ حَالَةَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَكَانَهُ وَهُوَ الْفَرْجُ فَفِيهِ قُصُورٌ، فَلَمَّا كَانَتْ الْآيَةُ غَيْرَ ظَاهِرَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ أَتَى بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الْمَقْصُودِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَخُصَّ بِمَفْهُومِهِ) وَهُوَ تَحْرِيمُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عُمُومُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَالْقِيَاسُ أَنَّ مَسَّهَا لِلذَّكَرِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِثَلَاثِ اعْتِرَاضَاتٍ: أَوَّلِهَا: أَنَّ حُرْمَةَ مَسِّ الرَّجُلِ لِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا لِأَجْلِ الْأَذَى وَهُوَ الْحَيْضُ، وَهَذَا أَيْ الْأَذَى لَيْسَ مَوْجُودًا فِي الرَّجُلِ، فَجَازَ لَهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِهِ، وَلَوْ فِيمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ بِغَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَإِلَّا كَانَ مُسْتَمْتِعًا بِمَحَلِّ الْأَذَى. ثَانِيهَا: أَنَّ مَسَّهَا بِيَدِهَا أَوْ غَيْرِهَا لِلذَّكَرِ، وَنَحْوِهِ مِنْ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ بِمَا فَوْقَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا. الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَالصَّوَابُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَيْ قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ، وَقَوْلُهُ: (وَنَحْوَهُ) أَيْ الْمَسِّ كَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ فَقَوْلُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَنَحْوَهُ، وَالنَّحْوُ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الْمَسِّ بِدَلِيلِ بَيَانِهِ بِقَوْلِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالذَّكَرِ قُبُلُ الرَّجُلِ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّوَابُ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ عُمُومَ عِبَارَةِ الْإِسْنَوِيِّ فِيهَا خَطَأٌ لِصِدْقِهَا بِمَسِّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِالْيَدِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. م د. أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ.
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ لَمْسِهِ) الْأَوْلَى وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا لَمْسُهُ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ مِنْ مَسِّهِ يَمْنَعُهَا أَنْ تَمَسَّهُ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ التَّمْكِينِ عَلَيْهَا حُرْمَةُ مَسِّهَا بِهِ. قَوْلُهُ: (لِزَمَنِ إمْكَانِهِ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ عَادَتِهَا، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنِ الْعَادَةِ بِأَنْ كَانَتْ ذَاتَ تَقَطُّعٍ كَأَنْ كَانَ يَنْزِلُ يَوْمًا، وَيَنْقَطِعُ يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (ارْتَفَعَ عَنْهَا سُقُوطُ الصَّلَاةِ) أَيْ فَيَلْزَمُهَا فِعْلُهَا أَوْ قَضَاؤُهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ بِأَنْ يَقُولَ: وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لِزَمَنِ إمْكَانِهِ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِزَمَنِ إمْكَانِهِ فَرَاغَ عَادَتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ مُضِيِّ عَادَتِهَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِمَّا حُرِّمَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَمْ لَا. فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ حُرْمَةَ الطَّلَاقِ وَالطُّهْرِ حَتَّى يَسْتَثْنِيَهُمَا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ لِلْحَيْضِ جِهَتَيْنِ: جِهَةُ خُصُوصِ كَوْنِهِ حَيْضًا، وَعُمُومِ كَوْنِهِ حَدَثًا وَحُرْمَةُ الصَّوْمِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْأُولَى، وَقَدْ زَالَتْ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ زَالَ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بِالْحَيْضِ أَيْ زَالَ الْحَيْضُ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمَنْعِ.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الطَّلَاقِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَوْطُوءَةً تَعْتَدُّ بِأَقْرَاءِ مُطَلَّقَةٍ بِلَا عِوَضٍ مِنْهَا مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الطُّهْرِ) وَهُوَ الْغُسْلُ أَوْ التَّيَمُّمُ الْمَذْكُورَانِ قَبْلَهُ، وَحِينَئِذٍ فَتَنْحَلُّ الْعِبَارَةُ إلَى أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الطُّهْرِ غَيْرُ الطُّهْرِ أَوْ لَمْ يَحِلَّ