الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ سَابِقًا (وَ) الْخَامِسُ (اللُّبْثُ) أَيْ الْمُكْثُ لِمُسْلِمٍ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي الْمَسْجِدِ) أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَالْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ لِمُسْلِمٍ وَالْكَافِرُ، فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ وَلَوْ غَيْرَ جُنُبٍ دُخُولُ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ كَإِسْلَامٍ وَسَمَاعِ قُرْآنٍ لَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الدُّخُولِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ، وَقَدْ قَعَدَ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ فَفِيهِ وَلِهَوَاءِ الْمَسْجِدِ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ، نَعَمْ لَوْ قَطَعَ بُصَاقُهُ هَوَاءَ الْمَسْجِدِ وَوَقَعَ خَارِجَهُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) أَيْ لِمُسْلِمٍ غَيْرِ نَبِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي ق ل. وَتَقَدَّمَ عَنْ ع ش حُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى النَّبِيِّ حَالَ الْجَنَابَةِ. وَنَصُّهُ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَوْ لِنَبِيٍّ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي نَصُّهُ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي حَاجَتَهُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ، وَرُبَّمَا قَالَ يَحْجِزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» اهـ. وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الْمُكْثِ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْ حُرْمَتِهَا بِعَدَمِ قَصْدِ الْقُرْآنِ فَكَانَ لِلتَّحْرِيمِ مِنْهُ وَجْهٌ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَسْجِدُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ذَاتِيَّةٌ فَلَا يَنْفَكُّ تَحْرِيمُ الْمُكْثِ فِيهِ بِحَالٍ فَاغْتُفِرَ لَهُ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ الْجَنَابَةَ بِنَصْبِ الْجَنَابَةِ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ لَيْسَ وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الشَّيْءِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ إلَخْ) وَهُوَ التَّعْمِيمُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْحُرْمَةَ لِتَصْرِيحِ الْمَتْنِ بِهَا.
قَوْلُهُ: (اللُّبْثُ أَيْ الْمُكْثُ لِمُسْلِمٍ) أَيْ بَالِغٍ.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ النَّبِيِّ) مُرَادُهُ الْجِنْسُ فَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي شَرِيعَتِنَا، وَلَا يُعْلَمُ حُكْمُهُ فِيمَا قَبْلَهَا، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْأَحْكَامِ هُنَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ أَوْ غَالِبُهُ ق ل. قَالَ ح ل: وَيَحْصُلُ الْمُكْثُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ أَقَلُّ مُجْزِئٍ فِي الطُّمَأْنِينَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) وَمِنْهُ رَحْبَتُهُ، وَالرَّحْبَةُ السَّاحَةُ الْمُنْبَسِطَةُ لِصِيَانَتِهِ عَنْ الْقَاذُورَاتِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهِ) مِنْ التَّرَدُّدِ الْمُغَيِّرِ أَنْ يَدْخُلَ لِأَخْذِ حَاجَةٍ وَيَخْرُجَ مِنْ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ دُونَ وُقُوفٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ الْآخَرِ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ اهـ سم.
قَوْلُهُ: (الْعُبُورُ) وَهُوَ الدُّخُولُ مِنْ بَابٍ وَالْخُرُوجُ مِنْ آخَرَ، فَهُوَ جَائِزٌ لَكِنَّهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ كَقُرْبِ طَرِيقٍ خِلَافُ الْأَوْلَى بِخِلَافِ عُبُورِ الْحَائِضِ مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ فَمَكْرُوهٌ لِغِلَظِ حَدَثِهَا كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ) لَمْ يَقُلْ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلِاحْتِرَازِ لِبَقَاءِ الْحُرْمَةِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَبِعِبَارَةِ قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ هَذَا مُحْتَرَزُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمُكْثُ مُسْلِمٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ: فَيُمَكَّنُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ) وَإِنَّمَا حُرِّمَ تَمْلِيكُهُ الطَّعَامَ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الصَّوْمِ، وَأَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ وَقْتِهِ وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا السُّؤَالُ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ إعْطَاءِ السَّائِلِ فِيهِ فَيُنْدَبُ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ، وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ سم عَنْ السُّيُوطِيّ رَحْمَانِيٌّ وع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ) فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطَيْنِ الْحَاجَةِ وَالْإِذْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ ق ل مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ دَخَلَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَلَا حَاجَةٍ عُزِّرَ، وَدُخُولُنَا أَمَاكِنَهُمْ كَذَلِكَ أَيْ الَّتِي يَتَعَبَّدُونَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (لَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ) أَيْ وَتَعَلُّمِ حِسَابٍ وَلُغَةٍ فَلَا يَجُوزُ سم. قَوْلُهُ: (مُسْلِمٌ) مُكَلَّفٌ وَلَوْ فَاسِقًا؛ بِخِلَافِ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ، فَيَكْفِي إذْنُ الصَّبِيِّ إذَا أَذِنَ لَهُ أَبُوهُ تَعْظِيمًا لِلْمَسْجِدِ م د.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (لِمُسْلِمٍ والْكَافِرُ) أَيْ إنْ دَخَلَ لِحَاجَةٍ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ أَوْ جُلُوسِ قَاضٍ أَوْ مُفْتٍ فِيهِ، فَيَجُوزُ تَمْكِينُهُ مَعَ حُرْمَةِ مُكْثِهِ لِخِطَابِهِ بِالْفُرُوعِ اهـ. وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِذْنُ فِي دُخُولِهَا مُطْلَقًا تَعْظِيمًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْمَسْجِدِ أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: (وَلِهَوَاءِ الْمَسْجِدِ) كَأَنْ طَارَ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا فَوْقَهُ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَمَا تَحْتَهُ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، نَعَمْ إنْ كَانَ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ عُلُوٌّ أَوْ سُفْلٌ قَبْلَ وَقْفِيَّتِهِ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ أَيْ: لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَسْجِدُ مَحَلَّهُ فَلَا يَشْمَلُ مَا فَوْقَهُ أَوْ مَا تَحْتَهُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ، وَإِنْ أُعِيدَ اهـ ق ل. وَأَقَرَّهُ اج. وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ أَنَّهُ إذَا أُزِيلَ حُكْمٌ بِالْمَسْجِدِيَّةِ لِذَلِكَ الْهَوَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى مَا