للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنَامُونَ فِيهِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَعَمْ إنْ ضَيَّقَ عَلَى الْمُصَلَّيْنَ أَوْ شَوَّشَ عَلَيْهِمْ حَرُمَ النَّوْمُ فِيهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ: وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» .

(وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ) حَدَثًا أَصْغَرَ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ غَالِبًا (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ مُخْتَصَّانِ بِهَا، وَأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِغَسْلِهِ فِي الْمَغْسُولِ وَبِمَسْحِهِ فِي الْمَمْسُوحِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِذَلِكَ الْعُضْوِ بَعْدَ غَسْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَطَهِّرًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] وَهِيَ: (الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ) عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِالْحَيْضِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَقْسِيمُ الْحَدَثِ إلَى أَكْبَرَ وَمُتَوَسِّطٍ وَأَصْغَرَ، وَبِهِ صَرَّحَ كُلٌّ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالزَّرْكَشِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ.

خَاتِمَةٌ: فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ مُهِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَلَوْ أَصْغَرَ مَسُّ خَرِيطَةٍ وَصُنْدُوقٍ فِيهِمَا مُصْحَفٌ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَالُوا لَهُ: اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا فِي الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَهُمْ يَوْمًا، وَأَرَادُوا إخْرَاجَهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَنَزَلَ فِي شَأْنِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَوْلُهُ {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٥٢] إلَى قَوْلِهِ: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٥٢] »

وَرُوِيَ، «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: أَبْشِرُوا يَا أَهْلَ الصُّفَّةِ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى نَعْتِكُمْ كَانَ مِنْ رُفَقَائِي فِي الْجَنَّةِ» فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ رُفَقَاؤُهُ فِيهَا مِنْ بَابٍ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (حُرِّمَ النَّوْمُ فِيهِ) أَيْ فِي وَقْتِ التَّضْيِيقِ فَقَطْ وَيَجِبُ حِينَئِذٍ تَنْبِيهُهُ. وَيُنْدَبُ تَنْبِيهُ مَنْ نَامَ فِي نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ أَمَامَ الْمُصَلِّينَ، وَلَا يَنْبَغِي التَّصَدُّقُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَلْزَمُ مَنْ رَآهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ إنْ قَدَرَ، وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ فِيهِ بَلْ يَحْرُمُ إنْ شَوَّشَ عَلَى الْمُصَلِّينَ أَوْ مَشَى أَمَامَ الصُّفُوفِ أَوْ تَخَطَّى رِقَابَهُمْ، وَيَحْرُمُ الرَّقْصُ فِيهِ، وَلَوْ لِغَيْرِ نَحْوِ شَابَّةٍ، وَيَحْرُمُ النَّطُّ فِيهِ، وَلَوْ بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ حُصُرِهِ وَإِيذَاءِ غَيْرِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَيَحْرُمُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ جَافَّةً وَيَحْرُمُ تَقْذِيرُهُ، وَلَوْ بِالطَّاهِرَاتِ كَإِلْقَاءِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فِيهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ مَاؤُهُ لِعَدَمِ تَقْذِيرِهِ وَعَدَمِ إهَانَتِهِ، وَأَمَّا طَرْحُ الْقَمْلِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا حُرِّمَ لِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَكَذَلِكَ لِتَعْذِيبِهِ بِالْجُوعِ، بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ التُّرَابَ، وَالْمَشْهُورُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقَمْلِ وَالْبُرْغُوثِ فِي جَوَازِ رَمْيِهِمَا فِي الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ أَوْ خَارِجَهُ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ م ر: وَأَمَّا طَرْحُ الْأَشْيَاءِ الْجَافَّةِ كَقِشْرِ اللُّبِّ وَغَيْرِهِ فَمَكْرُوهٌ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ تَعْفِيشٌ لَا تَقْذِيرٌ ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر وَقَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحِفْنِيُّ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ) فَإِخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَهَذَا عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْحُرْمَةِ كَالسَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: «تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» هَذَا يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ حَاسَّةِ الشَّمِّ لَهُمْ، وَمُقْتَضَاهُ الْحُرْمَةُ لَكِنْ صَدَّ عَنْهَا الْجُمْهُورُ، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْحَفَظَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ.

قَوْلُهُ: (إلَى أَكْبَرَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ أَفْرَادِهِ وَأَوْسَطَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ كَذَا قِيلَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْغَرَ أَكْثَرُ أَفْرَادًا، وَأَيْضًا الْجَنَابَةُ تُوجَدُ فِي النِّسَاءِ فَلَيْسَ الْحَيْضُ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ أَكْبَرَ أَفْرَادًا، فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْبَرِ الْأَغْلَظُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوْسَطِ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ.

قَوْلُهُ: (وَصُنْدُوقٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّهَا، وَيُقَالُ بِالسِّينِ وَالزَّاي فَفِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ وَمِثْلُهُ كُرْسِيٌّ وُضِعَ عَلَيْهِ ز ي أَيْ: فَيَحْرُمُ مَسُّ جَمِيعِ الْكُرْسِيِّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لسم وح ل. وَهَذَا الْكُرْسِيُّ الصَّغِيرُ الْمُعَدُّ لِلْمُصْحَفِ، أَمَّا الْكُرْسِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَقْعُدُ عَلَيْهِ الْقَارِئُ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ الدَّفَّتَيْنِ السَّاتِرَتَيْنِ لِلْمُصْحَفِ وَهُوَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَالصُّنْدُوقِ، وَمِنْ الصُّنْدُوقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَيْتُ الرَّبْعَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ الرَّبْعَةِ أَوْ بَعْضُهَا فِيهِ، وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>