وَكَالْحُقْنَةِ دُخُولُ طَرَفِ أُصْبُعٍ فِي الدُّبُرِ حَالَةَ الِاسْتِنْجَاءِ فَيُفْطِرُ بِهِ إلَّا إنْ أَدْخَلَ الْمَبْسُورُ مَقْعَدَتَهُ بِأُصْبُعِهِ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ (وَ) الثَّالِثُ (الْقَيْءُ عَمْدًا) ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْجَوْفِ كَأَنْ تَقَايَأَ مُنَكَّسًا لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَيْ غَلَبَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَى فَلْيَقْضِ» وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَمْدًا مَا لَوْ كَانَ نَاسِيًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يُفْطِرْ كَمَا لَوْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ، وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ نُخَامَةً مِنْ الْبَاطِنِ وَرَمَاهَا سَوَاءٌ اقْتَلَعَهَا مِنْ دِمَاغِهِ أَوْ مِنْ بَاطِنِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ تَتَكَرَّرُ، فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَذَا الْمُهْمَلَةُ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الزَّوَائِدِ فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا إنْ أَمْكَنَ، فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْ الذَّكَرِ وَاللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ م ر.
قَوْلُهُ: (دُخُولُ طَرْفِ أُصْبُعٍ) وَمِثْلُهُ غَائِطٌ خَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ ثُمَّ ضَمَّ دُبُرَهُ وَدَخَلَ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى دَاخِلِ دُبُرِهِ حَيْثُ تَحَقَّقَ دُخُولُ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ بُرُوزِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَعِدَتِهِ مَعَ عَدَمِ حَاجَةٍ إلَى ضَمِّ دُبُرِهِ. وَبِهِ يُفَارِقُ مَقْعَدَةَ الْمَبْسُورِ، أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ مَنْصُورُ الطَّبَلَاوِيُّ. أج. وَضَابِطُ الدُّخُولِ الْمُفْطِرِ أَنْ يُجَاوِزَ الدَّاخِلُ مَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، بِخِلَافِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يُفْطِرُ إذَا أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ لِيَغْسِلَ الطَّيَّاتِ الَّتِي فِيهِ.
وَلَوْ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ مَثَلًا بِاللَّيْلِ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنْ ابْتَلَعَ بَاقِيَهُ أَوْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ ابْتِلَاعَهُ أَكْلٌ وَنَزْعَهُ اسْتِقَاءَةٌ، وَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِاتِّصَالِ الظَّاهِرِ بِالْبَاطِنِ الْمُتَنَجِّسِ بِمَا فِي بَاطِنِهِ، فَطَرِيقُهُ فِي صِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ وَهُوَ غَافِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَافِلًا وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ النَّازِعِ لَهُ أَفْطَرَ لِأَنَّ النَّزْعَ مُوَافِقٌ لِغَرَضِ النَّفْسِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ لَهُ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ طُعِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ. فَإِنْ طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ أَفْطَرَ فِيهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَقَدْ لَا يَطَّلِعُ عَارِفٌ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَا يُرِيدُ هُوَ الْخَلَاصَ لِنَفْسِهِ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَيُجْبِرُهُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَلَعَهُ أَوْ بَلَعَهُ مُرَاعَاةً لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهَا آكَدُ وَأَعْظَمُ بِدَلِيلِ قَتْلِ تَارِكِهَا دُونَ تَارِكِ الصَّوْمِ.
قَوْلُهُ: (بِأُصْبُعِهِ) وَلَوْ بِإِدْخَالِ أُصْبُعِهِ مَعَهَا إنْ اضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ ح ل. وَيَظْهَرُ الْعَفْوُ عَمَّنْ اُبْتُلِيَ بِدَمِ لِثَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَقْعَدَةِ الْمَبْسُورِ، حَجّ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اسْتَقَى) بِالْقَصْرِ، أَيْ تَعَمَّدَ الْقَيْءَ م د. قَوْلُهُ: (أَوْ مُكْرَهًا) اُنْظُرْ هَلْ مِثْلُهُ إكْرَاهُ الشَّرْعِ، كَمَا لَوْ وَجَبَ الْقَيْءُ لِتَضَرُّرٍ قَامَ بِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم: لَوْ احْتَاجَ إلَى التَّقَيُّؤِ لِلتَّدَاوِي بِقَوْلِ طَبِيبٍ فَهَلْ يُفْطِرُ بِهِ أَوْ لَا أَوْ يَنْظُرُ بَيْنَ أَنْ يَجِبَ لِلتَّضَرُّرِ بِحَبْسِهِ فَلَا يُفْطِرُ أَوْ لَا فَيُفْطِرُ؟ قُلْت: يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الذُّبَابَةِ إذَا دَخَلَتْ قَهْرًا وَضَرَّ بَقَاؤُهَا حَيْثُ قَالُوا بِالْفِطْرِ إذَا أَخْرَجَهَا أَنَّهُ يُفْطِرُ اهـ أج وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ) مُسْتَثْنَى مِنْ الْقَيْءِ، وَقَوْلُهُ " نُخَامَةً " وَيُقَالُ " نُخَاعَةً ".
قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ طَلَعَتْ مِنْ بَطْنِهِ؛ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ حَدِّ الظَّاهِرِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ م ر. وَعَلَيْهِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ فِيهَا أج.
قَوْلُهُ: (فِي حَدِّ الظَّاهِرِ) أَيْ حَدٍّ هُوَ الظَّاهِرُ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، فَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ مَا فَوْقَ مَخْرَجِ الْحَاءِ إلَى الشَّفَةِ كَمَا قَالَهُ ح ف، وَالْبَاطِنُ هُوَ مَخْرَجُ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ م د. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: الْأَوْلَى حَذْفُ حَدٍّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِّهِ طَرَفُهُ الَّذِي يَلِيهِ بَاطِنٌ وَلَيْسَ قَيْدًا، إذْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِهَا فِي الظَّاهِرِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ أَوْ وَسَطِهِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَتِهَا مَنْ يُرِيدُ تَحْدِيدَهُ عِبَارَةُ حَجّ. تَنْبِيهٌ: ذِكْرُ حَدٍّ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي عِبَارَتِهِ وَإِنْ أَتَى بِهِ شَيْخُنَا فِي مُخْتَصَرِهِ بَلْ هُوَ مُوهِمٌ إلَّا أَنْ تَجْعَلَ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةً، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يُرِيدُ تَحْدِيدَهُ؛ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْحَدِّ أَهُوَ الْمُعْجَمَةُ وَعَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ الْمُهْمَلَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَرَّرَ، فَيَدْخُلُ مَا قَبْلَهُ؛ وَمِنْهُ الْمُعْجَمَةُ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْمُهْمَلَةُ عَلَى الرَّاجِحِ) فَمَا فَوْقَ مَخْرَجِ الْحَاءِ ظَاهِرٌ بِالنَّظَرِ لِلنُّخَامَةِ وَبَاطِنٌ بِالنَّظَرِ لِلرِّيقِ.